الأربعاء، 13 نوفمبر 2019

المديح النبوي


الله سبحانه فرد بلا شبه :: والعقل دون بلوغ كنهه وقفا
وغير ما اتصف الرحمن جل به :: من الكمال به خير الأنام صفا

هكذا حدد أبوبكر بن محمد بن مهيب المعروف عندنا (بـ ابن وهيب) حدود وصف النبي صلى الله عليه وسلم.
والمديح النبوي هو ذلك الشعر الذي ينصب على مدح النبي صلى الله عليه وسلم بتعداد صفاته الخلقية والخلقية وإظهار الشوق لرؤيته وزيارة قبره والأماكن المقدسة التي ترتبط بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، مع ذكر معجزاته المادية والمعنوية ونظم سيرته شعرا والإشادة بغزواته وصفاته المثلى والصلاة عليه تقديرا وتعظيما.
أرى كل مدح في النبي مقصرا :: وإن بالغ المثنى عليه وأكثرا
إذا الله أثنى في الكتاب المنزل :: عليه فما مقدار ما يمدح الورى

ظهر المديح النبوي في الحجاز مبكرا مع مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذاع بعد ذلك مع انطلاق الدعوة الإسلامية وشعر الفتوحات الإسلامية إلى أن ارتبط بالشعر الصوفي مع ابن الفارض والشريف الرضي.
ولكن هذا المديح النبوي لم ينتعش ويزدهر ويترك بصماته إلا مع الشعراء المتأخرين وخاصة مع الشاعر البوصيري في القرن السابع الهجري الذي عارضه كثير من الشعراء الذين جايلوه أو جاؤا بعده.
وكذلك ربع عزة هذا الفن وجذيله المحكك المحب العارف عبد الرحيم البرعي.

وقدظهر المديح في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ما رواه الحافظ السيوطي والحافظ ابن حجر وغيرهما أن العباس بن عبد المطلب عم نبينا صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، إني أريد أن أمتدحك فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (قل، لا يفضض الله فاك) فقال العباس:
من قبلها طبت في الظلال وفي:: مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر :: أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد :: ألجم نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم :: إذا مضى عالم بدا طبق
وأنت لما ولدت أشرقت الأر ض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي النــــور وسبل الرشاد نخترق

وكذلك أشعار المديح النبوي في بداية الدعوة الإسلامية مع قصيدة "طلع البدر علينا"، وقصائد شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وكعب بن زهير صاحب اللامية المشهورة:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول :: متيم إثرها لم يفد مكبول

وقد استحقت هذه القصيدة المدحية المباركة أن تسمى بالبردة النبوية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كسى صاحبها ببردة مطهرة تكريما لكعب بن زهير وتشجيعا للشعر الإسلامي الملتزم الذي ينافح عن الحق وينصر الإسلام وينشر الدين الرباني.

ونستحضر قصائد شعرية أخرى في هذا الباب كقصيدة الدالية للأعشى التي مطلعها:
أَلَم تَغتَمِض عَيناكَ لَيلَةَ أَرمَدا ::  وَعادَكَ ما عادَ السَليمَ المُسَهَّدا
 وَما ذاكَ مِن عِشقِ النِساءِ وَإِنَّما :: تَناسَيتَ قَبلَ اليَومَ خُلَّةَ مَهدَدا

ومن أهم قصائد حسان بن ثابت في مدح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عينيته المشهورة في الرد على خطيب قريش عطارد بن حاجب:
إن الذوائب من فهر وإخوتهم :: قد بينوا سنة للناس تتبع
ولا ننسى همزيته المشهورة في تصوير بسالة المسلمين ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم والإشادة بالمهاجرين والأنصار والتي مطلعها:
عفت ذات الأصابــــع فالجــواء :: إلى عذراء منـــزلها خــــلاء

ومن أهم شعراء المديح النبوي في العصر الأموي الفرزدق ولاسيما في قصيدته الرائعة الميمية التي نوه فيها بآل البيت واستعرض سمو أخلاق النبي الكريم وفضائله الرائعة، ويقول في مطلع القصيدة:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته :: والبيـت يعرفه والحل والحـرم

وقد ارتبط مدح النبي صلى الله عليه وسلم بمدح أهل البيت وتعداد مناقب بني هاشم وأبناء فاطمة كما وجدنا ذلك عند الفرزدق والشاعر الكميت الذي قال في بائيته:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب :: ولا لعبا مني وذو الشوق يلعب

ويندرج ضمن هذا النوع من المدح تائية الشاعر دعبل التي مدح فيها أهل البيت قائلا في مطلعها:
مدارس آيات خلـــت من تلاوة :: ومنزل حي مقفـــــــر العرصات

ومن شعراء المديح الشريف الرضي والشاعر العباسي مهيار الديلمي.
ولكن يبقى عبدالرحيم البرعي من أهم أئمة هذا الفن وكذلك يعتبرالإمام البوصيري الذي عاش في القرن السابع الهجري من أهم شعراء المديح النبوي ومن المؤسسين الفعليين للقصيدة المدحية النبوية والقصيدة المولدية كما في قصيدته الميمية الرائعة التي مطلعها:
أمن تذكر جيران بذي سلم :: مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة :: وأومض البرق في الظلماء من إضم
وقد عورضت هذه القصيدة من قبل الكثير من الشعراء القدامى والمحدثين والمعاصرين، ومن أهم هؤلاء الشعراء ابن جابر الأندلسي في ميميته البديعية التي استعمل فيها المحسنات البديعية بكثرة في معارضته الشعرية التي مطلعها:
بطيبة انزل ويمم سيد الأمم :: وانشر له المدح وانثر أطيب الكلم
ومن شعراء المديح النبوي المتأخرين الذين عارضوا ميمية البوصيري عبد الله الحموي الذي عاش في القرن التاسع وكان مشهورا بميميته:
شدت بكم العشاق لما ترنموا :: فغنوا وقد طاب المقام وزمزم
وضاع شذاكم بين سلع وحاجر :: فكان دليل الظاعنين إليكم
وتبقى معارضة أمير الشعراء أحمد شوقي الأجمل والأشد مجاراة:
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ  :: أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ

ومن الشعراء الذين طرقوا غرض المديح النبوي الشاعر ابن نباتة المصري، فقد ترك لنا خمس قصائد في المديح النبوي كهمزيته التي مطلعها:
شجون نحوها العشاق فاءوا :: وصب ماله في الصبر راء
ورائيته التي مطلعها:
صحا القلب لولا نسمة تتخطر :: ولمعة برق بالغـضا تتسعر
وعينيته التي مطلعها:
يا دار جيرتنا بسفح الأجــــرع :: ذكرتك أفواه الغيوث الهــــمع
ولاميته التي مطلعها:
ما الطرف بعدكم بالنوم مكحول :: هذا وكم بيننا من ربعكم ميــل
والميمية التي مطلعها:
أوجز مديحك فالمقام عظيم :: من دونه المنثور والمنظوم

إذا انتقلنا إلى الأدب المغاربي لرصد ظاهرة المديح النبوي، فقد كان الشعراء المغاربة سباقين إلى الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ونظموا الكثير من القصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وتعداد مناقبه الفاضلة وذكر صفاته الحميدة وذكر سيرته النبوية الشريفة وذكر الأمكنة المقدسة التي وطئها نبينا المحبوب.

وكان الشعراء يستفتحون القصيدة النبوية بمقدمة غزلية صوفية يتشوقون فيها إلى رؤية الشفيع وزيارة الأمكنة المقدسة ومزارات الحرم النبوي الشريف، وبعد ذلك يصف الشعراء المطية ورحال المواكب الذاهبة لزيارة مقام النبي الزكي، وينتقل الشعراء بعد ذلك إلى وصف الأماكن المقدسة ومدح النبي صلى الله عليه وسلم مع عرضهم لذنوبهم الكثيرة وسيئاتهم العديدة طالبين من الحبيب الكريم الشفاعة يوم القيامة لتنتهي القصيدة النبوية بالدعاء والصلاة والسلام.

ومن أهم الشعراء المغاربة الذين اشتهروا بالمديح النبوي نستحضر مالك بن المرحل كما في ميميته المشهورة التي يعارض فيها قصيدة البوصيري الميمية:
شوق كما رفعت نار على علم :: تشب بين فروع الضال والسلـــم
ويقول في قصيدته الهمزية مادحا النبي صلى الله عليه وسلم:
إلى المصطفى أهديت غر ثنائي :: فيا طيب إهدائي وحسن هدائي
أزاهير روض تجتنى لعطـــارة :: وأسلاك در تصـــــطفى لصفاء
ونذكر إلى جانب عبد المالك بن المرحل الشاعر السعدي عبد العزيز الفشتالي الذي يقول في إحدى قصائده الشعرية :
محمد خير العالميــن بأســرها :: وسيد أهل الأرض م الإنس والجان
أما القاضي عياض فقد خلف مؤلفات عديدة ككتابه (الشفا في شمائل المصطفى) وقصائد أغلبها في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم والتشوق إلى الديار المقدسة كما في قصيدته الرائية:
قف بالركاب فهذا الربع والدار:: لاحـــت علينــــــا من الأحباب أنوار
ومن شعراء الأندلس الذين اهتموا بالمديح النبوي وذكر الأماكن المقدسة لسان الدين بن الخطيب الذي يقول في قصيدته الدالية :
تألق نجديا فأذكرني نجدا :: وهاج لي الشوق المبرح والوجدا
وميض رأى برد الغمامة مغفلا :: فمد يدا بالتبر أعملت البردا

وقد أولى الشعراء الشناقطة أهمية بالغة للمديح كالشيخ محمد اليدالي:
صلاة ربي مع السلام :: علي حبيبي خير الأنام]
والتي نظمها في بت (حثو اجراد )من ابتوتة(بحور) الشعر الحساني مما يشي بأصالة هذا الشعر وتماهيه مع المديح حتي أن الفن الشعبي أحدث ضربا غنائيا حمل إسم ابن وهيب نسبة إلي الشاعر أبي بكر بن محمد بن مهيب صاحب الموشحات المديحية والتخميسات علي الفزازي يغنى فى مقام " كر "
به فأستنر إن تنتهض بك همة :: ولا تنتقض من دونه لك عزمة
وكل ضياء دونه فهو دهمة :: بدا وبقاع الأرض ظلم ودُهمة
فأشرقت الأرجاء وأنقشع الكرب

كذلك من الشعراء الشناقطة أحمد بن محمد بن محمدسالم:
أتذري عينه فضض الجمان :: غراما من تذكره المغاني
ومحمدو بن محمدي :
زارت عُليّ على شحط النوى سحرا :: فأعتاض خفنك من عذب الكرى سهرا
ومحمدن ولد عبد الله (الأحول) الحسني:
طـيـف الخـريـدة زرت طـارق مـقـصـر :: فــارجع وراءك وامـض أيّ مقـصّـر
هـل تعـترى بك أن قـدمـت مـسـرة :: قلبي وطـيـف محـمـد لا يعـترى
ومولود بن أحمد الجوادفي المرجانية:

من أيّ مرجان رب العرش مرجانه:: تبدو لعينيك في تركيب إنسانه

و كثيرون غيرهم بل نكاد نجزم أنه لايوجد شاعر موريتاني إلا وله نصوص شعرية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.

ولشعراء الهند إسهامات في المديح النبوي ، منها مديحية إمام المحدثين بالهند
شيخ الإسلام ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي التي مطلعها:
كأن نجوماً أومضت في الغياهب :: عيون الأفاعي أو رؤوس العقارب
إذا كان قلب المرء في الأمر خاثراً :: فأضيق من تسعين رحب السباسب
ويقول نجله العلامة عبدالعزيز بن ولي الله الدهلوي في المديح:
ألا يا عاذلي دم في ملامي :: فإني لا أحول عن الغرام
فجفني ساهر ما دمت حياً :: وقلبي هائم والدمع هامي
ويقول الشاعر الهندي الشهير فيض الحسن السهارنفوري في المديح:
 بليت ولم يكد يبلى شبابي :: فنيت ولم يزل عني حبابي
أحب نواعما وأحيد عما:: يراد فلا أحيد عن التصابي
ألاعبهن ثم أبيت ليلي :: على لهو بجارية كعاب
ويقول الشاعر الهندي الشيخ أحمد عبد القادر الكوكنيفي معارضة البردة:
يا شوق بلغ إلى جيران ذي سلم :: سلام صب سليم الهم والألم
واستمطرن من ندى ألطافهم شبما :: يطفي لظى لاعج في القلب مضطرم
وقل لهم أرسلوا طيفاً فطيفهم :: روح المحبين يحيي ميت النسم

ولشاعر الهند العظيم عبد الرحمن الاريكلي المليباري ديوان (الجوهر المنظم في سيرة النبي المكرم) ، وقد قسمه إلى خمسة وعشرين بابا من بدء الوحي الى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم  وأبياته اثنين وست مائة، ويبدؤه بقوله:
لرب الوري الحمد الموافي لأنعم :: توالى علينا منه دون تصرم

ويقول المفكر المسلم شاعر الهند وباكستان محمد إقبال في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
لغة الكلام كما رأيت على فمي :: خجلى ولولا الحب لم أتكلم
يا مظهر التوحيد حسبي أنني :: أحد الشداة الهائمين الحُوّم
ما حيلة الشعراء زاد غناؤهم :: رهباً لدى هذا الجمال الأعظم
كل المعاني إن وُصِفتَ تضاءلت :: وتحيّرت في كُنهك المتلثم
إن الذي سوّاك في تنزيله :: وفّاك وصفاً بالثناء الأكرم
سبقت محبته مجيئك للورى :: في عالم الغيب الكبير الأقدم
يا نور يوم وُلدت قامت عزّة :: للأرض إذ أمست لنورك تنتمي
الكوكب الأرضيّ حين وطئته :: أمسى حصاه يتيه فوق الأنجم
وعلى هدى الأقدار قام محمدٌ :: لله فيه سرائر لم تُعلَم..

أماالمديح النبوي في العصر الحديث:
فإن المتأمل لدواوين شعراء خطاب البعث والإحياء أو ما يسمى بشعراء التيار الكلاسيكي أو الاتجاه التراثي فإنه سيلفي مجموعة من القصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم تستند إلى المعارضة تارة أو إلى الإبداع والتجديد تارة أخرى.

ومن الشعراء الذين برعوا في المديح النبوي نذكر: محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومحمد الحلوي وآخرين كثيرين…
فمن قصائد محمود سامي البارودي قصيدته الجيمية التي يقول فيها:
يا صارم اللحظ من أغراك بالمهج :: حتى فتكت بها ظلما بلا حـرج
مازال يخدع نفسي وهي لاهية :: حتى أصاب سواد القلب بالدعج
طرف لو أن الظبا كانت كلحظته :: يوم الكريهة ما أبقت على الودج
وهذه القصيدة هي في الحقيقة معارضة لقصيدة الشاعر العباسي الصوفي ابن الفارض التي مطلعها:
ما بين معترك الأحداق والمهـج :: أنا القتيل بلا إثم ولا حرج
ومن قصائد محمود سامي البارودي في المديح النبوي قصيدته "كشف الغمة في مدح سيد الأمة" وعدد أبيات هذه القصيدة 447 ، ومطلع القصيدة:
يا رائد البرق يمم دارة العلم :: واحد الغمام على حي بذي سلم
ومن الشعراء الآخرين الذين نظموا على منوال البردة الشيخ أحمد الحملاوي في قصيدته التي سماها كذلك بـــ "منهاج البردة" ومطلعها:
يا غافر الذنب من جود ومن كرم :: وقابل التوب من جان ومجترم
ويحذو أحمد شوقي حذو البارودي في معارضة الشعراء القدامى في إبداع القصائد المدحية التي تتعلق بذكر مناقب النبي وتعداد معجزاته وصفاته المثلى كما في همزيته الرائعة التي مطلعها:
ولد الهدى فالكائنات ضياء:: وفم الزمان تبسم وثناء
ويقول في مولديته البائية:
سلوا قلبي غداة سلا وتابا :: لعل على الجبال له عتابا
ومن أحسن قصائد أحمد شوقي في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم قصيدته الميمية التي عارض فيها قصيدة البردة للبوصيري ومطلع قصيدة شوقي هو:
ريم على القاع بين البان والعلم :: أحل سفك دمي في الأشهر الحرم

خلاصة القول أن المديح النبوي شعر ديني يركز على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وفضائله النيرة، وقد رافق هذا الشعر مولده وهجرته ودعوته، كما واكب فتوحاته وحب آل البيت فانصهر في شعر التصوف ليصبح فنا مستقلا مع البوصيري وابن دقيق العيد.
وفي العصر الحديث، ارتبط هذا الشعر بالمناسبات الدينية كرمضان وعيد المولد النبوي، وفي نفس الوقت خضع لمنطق المعارضة المباشرة وغير المباشرة.

كامل الود

عتروس ابن ذي الخلال



اعتدى رعاة للشيخ باب ولد الشيخ سيدي على (عتروس) للشيخ عبدالله العتيق بن ذي الخلال اليعقوبي.

وهوالعلامة عبدالله العتيق بن محمد بن ذي الخلال بن ايّاهي اليعقوبي.
ولد عند أگماط سنة 1855 ،  وتوفي في لعگل سنة 1931، من أشهر مسادير العلامة يحظيه ، وصاحب محظرة مكينة في علوم اللغة وغيرها.
كان يبرمجُ في محظرته لسان العرب لابن منظور في دروس منتظمة ، وله شرح لديوان الستة الجاهليين، وشرح نفيس لديوان غيلان سماه "كاشف الغمة عن مريد شعر ذي الرمة".
وله "تيسير الورود إلى تحفة المودود" - في شرح المقصور والممدود.
وله شرح لمثلث قطرب، وله المقامة الدكانية ، والمقامة السليمانية.

حين علم الشيخ عبدالله العتيق بن ذي الخلال بذبح الرعاة لعتروسه (السّيْفِرْعلَما) كتب إلى الشيخ باب ولد الشيخ سيدي هذه الرسالة متكئا فيها على خلفيته اللغوية الثرية مستعرضا أدبا جما يأوي منه إلى ركن شديد، و موّريا باستعانة الخليفة أبي جعفر المنصور بعمر بن العلاء في فتح طبرستان ؛ لقول بشار بن برد فيه:
إذا أيقظتك حروب العدى :: فنبه لها عُمراً ثم نَمْ

كتب ابن ذي الخلال:
بسم الله الرحمن الرحيم
" سَـلامٌ أشْـهَى مِـنْ إدْرَاكِ الثؤور، وَ ارْتِـشَـافِ أفْواهِ الحُور.
مُوجبُه لُقِّيـتَ المُنَى وُ وُقِـيتَ المَـنَى
أن عُـرَاةَ الأجْـسَـام ، مِـنْ رُعَـاةِ الأغْنَام
تَـرَامَى بِهِمُ البَغْيُ والحَيْف ، إِلَى أنْ ذبَحُوا (الـسَّـيْـفِـرَ ابْنَ كِـتــَّـيْـف)!!
وَ لا حَوْلَ لي بِهـِمْ وَلا قُـوَّه ، وَ مَا أدْرَاكَ مَـا هُوَّهْ.
عَـتُودٌ أمّهُ عَـيْـنُ حَـيْـلَـتِـي ، كُـنْـتُ قــَـدْ أَعْمَلْتُ حِيلَتِـي
وتعاميتُ عَـنْ صَفَري وَقَرَمِي. فِـي أنْ أسْـتَـفْـحِلَهُ لِغَنَمِي.
أصْحَـلُ، إِذا نَـبَّ ضَـمِـزَتِ العِتْدَان ، وأنَسَـانِي عَـزْفَ القِيَان بالكِرَان.
وَ كـُـنـتُ أفَدِّيهِ بالأمَّهاتِ والآبَاء ، وَأظْلُفُ أهْلِي عَـنْ أسِّهِ إذا تــَـسَـوَّرَ الـخِـبَاء.
وَإنَّ النَّفْسَ بالنَّفْس فِيه أقوَمُ قِـيـلا ، إِنْ هُـمْ إِلا كالأنعَـام بَـلْ هُـمْ أضَـلُّ سَـبيلا .
وَمَـا أظُنُّكَ إلا عُمَـرَ الـيَـوْم ، وَ إني نَبَّهْـتُكَ فَـطَابَ لِيَ النّوْم . "

فلما قرأ الشيخ باب الرسالة أمر له بصلة، وحكم على رعاته أن يقضوا ابن ذي الخلال حقه تيساً عن كل واحد منهم.

كامل الود

السبت، 9 نوفمبر 2019

الشيخ محمدو ولد حبيب الرحمن 


أبو الأضياف الشيخ محمدو ولد حبيب الرحمن التندغي ، عرف بالعلم والصلاح وإكرام الضيوف وشدة الجذب.
وهو من عجول الولي صلاحي ولد آبني ، مر صلاحي على أمه وهو في بطنها فأهدته بقرة حلوبا فقال لها: لا إله إلا الله مَ خنددْ ولدك.

زاره أهل انگذي فحاسنهم وكانوا قبل المجيء إليه قد خبأوا اعگاب اصكيطه عندهم في صدرايه امغمّه ، وبعد أن أحسن وفادتهم وهموا بالانصراف أمر چلّيت منت انگذي ، أن تُنحّي ثم قال لها قولي: (تكتْ أهل انگذي كالوها الغربان) ، في كشف له أن تلك اصكيطه المزوّغه قد انتقل منها الرزق.
 
ونزل عنده الأمير أحمد سالم ولد إبراهيم السالم مع 30 رجلا (ابجاوي) 
بنى لهم خياما وقال لزوجته: ژرْگو لَ خطّاركم 
فضحكت لأن ليس لديها سوى إسلاي به حربة صغيرة 
اخبظ گدمو اعلَ اتراب وقال لها: 
يالمتبسْمَه ذ المَروبْ رابْ 
يالمتگسمَه ذَكاملْ اشرابْ 
ظايَ امدسمَه ما منها اسرابْ 
خبطه فالسْمَا وخبطه فَ اتراب 
فخاظَ اللبن من أسلاي راگب ، فمخضوه فإذا هو سائغ ومحلى.. 
بذلك حدّث العلامة المؤرخ المختار ولد حامد.

وروى الدكتور محمدو ولد احظانا عن العالم والراوية الحافظ سيدي محمد ولد محمد الأمين ولد أحظانا(سيدي علما) أن العلامة الشيخ أحمدو ولد أحمذيه اليوسفي الحسني،  صاحب "مراقي الأواه في تفسير كتاب الله"، حدثه أنه حلم بأن آية (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال..) ليست ضمن مصحف انتهى من نسخه. فاستيقظ من نومه واوقد سراجا لديه، فإذا الآية ضمن المصحف. 
وفي الصباح خرج ليستفسر الشيخ محمدو ولد حبيب الرحمن عن حلمه، وكان حي الشيخ أحمدو عند عقلة تدعى أكفليت، نازلا على كثيبها الغربي، اما الشيخ محمدو فكان على كثيبها الشرقي ولا يحول بينهما إلا عرض الغور.
فلما صارالشيخ أحمدو في سفح التل الشرقي، إذا بولد حبيب الرحمن وتلامذته يهبطون من التلة وهو يذكر الله ويرقص ويغني متواجدا، فلما اقترب منه ناداه:
ذاك ولد أحمذيه؟ حلمت البارحة أن آية (وأصحاب الشمال..) سقطت من مصحفك، والله لن يكتبوا عليك إلحفظة شرا.
وانتهى اللقاء.

ويحكى أن امحمد بن أحمد يوره زار الشيخ محمدو ذات يوم ليختبر ولايته وكان معه رفيق له.وصلا إليه وكان الشيخ يرقص ويغني ببيت من شواهد الألفية (لا أم افيم أحمر) وهو قول الشاعر:
هذا وجدكم الصغار بعينه_:: لا أم لي إن كان ذاك ولا أب
فوقفا في مكان قصي ، وكان الشيخ محمدو يسقط من البيت كلمة (كان)  فقال امحمد لرفيقه اتعالانَ نمشو هذا الماگد يعتنْ اعلَ وزن بيت من الشعر ماه لاهي يعتنْ اعلَ شِ ثان.
وقفلا عائدين فأوقف الشيخ غناءه ونادى امحمد: صاحب أولاد ديمان هاهْ اتعالَ إلاه إلعادت اتزيدنَ عندك كان.
وكان رحمه الله من كبار من دافع عن الشيخ سعد أبيه.

ومن الطريف أن  الشيخ محمدو ولد حبيب الرحمن ، زار مرة العلامة الصالح امحمد ولد أحمد يوره وقيل العلامة  ببها ، وبين يديه  محمد باب ولد امحمد والقاضي اميي ، وبدا الولي المجذوب غضبان أسفا فقال له امحمد ما أغضبك يا محمدو فقال: منتِي ” حَسْـنَـه ” اتخلاتْ ولم يعرگب لها أحد منكم! 
فقال امحمد مخاطبا محمد باب واميي وقد أزال مؤونة التحفظ إكراما لخاطر الولي ” الگوم حد منكم إيگيس الحاسي إيعرگب ثور وحد منكم إيگول ش، فقام محمد باب وفي قيامه قال في تورية بديعة ولزوم جميل:
أشياخْ التصووف :: ألا ذَ الشيخ ءُ توفْ
حگ ءُ بيهَ معروف :: ماهُ دَيْ اللسْنَ
وامنين إجينَ خوف :: هوَّ فيه إنْفَسنَ
وأمنادمْ جاهْ إشوف :: حَسْنَ وِيرَ حسْن

وكان الإمام الأكبر بداه ولد البصيري  وهو جده لأم يقول: آنَ جايبْ ياسر من جذب الشيخ محمدو ، أولاد لمناتْ رفاّدينْ.
وذات مرة أخبر أحدهم الإمام الأكبر بداه ولد البصيري أن (فلانا) أحد الأشخاص ينتقد الشيخ محمدو ولد حبيب الرحمن بل ربما قال عنه مالايليق.
فرد عليه بداه: أنا لست منّاعا للخير ، وإذا أراد الله أن يجري للشيخ محمدو حسنات وهو في قبره وقد انقطع عمله من الدنيا على يد شخص تنازل عن حسناته لصالحه  فلن أقف أنا عائقا دون ذلك ، وبالتالي لن أرد على ذلك الشخص.

كامل الود

  / ومن باب المداعبة، والشيء بالشيء يذكر كان الشريف عبد القادر رجلا صالحا، وكان يفرض على الناس (فِفتنًا) يهدونه له، والفِفتن قطعة نقدية كانت...