الشيء بالشيء يذكر
تعتبر الجانبه الكحلة أساس الموسيقى الحسانية وركنها الأعظم، وتبدأ هذه الجانبه كمثيلاتها بمقام كر، وانتماس هو دخول كر الجانبه الكحله ومن أشوار انتماس "كر انگافَ"، وهو شوراكحل مشوهد "انتامَ گلبُ ماهُ هون" ومن گيفانه:
ابكيتْ إعل طب المغواس :: البكي الّ ماهُ من دون
والبكي اعلَ حيوان الناس :: ذاك إواسيه ألا گابون
ويقول فيه العلامة الكبير والمؤرخ صالح ولد عبد الوهاب الناصري للفنانه الكبيرة فنانة عصرها الطاهرة منت أحمد زيدان:
ألا لُلال متن الساس :: انتوم يلْ منكم ممكون
انجنْ إلكم واسو ذ الناس :: اتگول إن عالم مجنون
وصالح هو محمد صالح بن عبدالوهاب بن أحمد بن عبدالوهاب الناصري، ولد بمدينة ولاته سنة 1152هـ - 1739م من أبيه عبد الوهاب و أمه عيشه بنت صالح من أولاد لغويزي من قبيلة أولاد يونس، هاجر جده الحاج عبد الوهاب بن أعمر من بلاد السوس إلى أرض تفلالت سنة 955هـ /1548م و كانت آن ذاك قلعة العلم و المعرفة ثم شد الرحال إلى ولاته فصارت مقره و وطنه.
و هو أول من تاب من بني حسان و أول من ذلل طريق الحج إلى بيت الله الحرام.
نشأ صالح في بيئة صالحة وتعلم في موطن نشأته ولاته و من أشياخه الذين تتلمذ عليهم و أجازوه في العلم:
بوب بن أحمد مولود بن الطالب المهاجري وكان من حذاق العلماء بولاته.
والعلامة الگصري بن محمد بن المختار بن عثمان الإيدَيلبي صاحب نوازل الفقه.
والطالب الأمين بن الطالب الحبيب الحرشي شيخ أهل ولاته في العلم و العمل.
ومحمد المختار بن أحمد المعروف بأبتي.
والطالب عبد الله بن الحاج محمد الرقيق العلوشي.
وغيرهم من علماء ولاته، كما درس على علماء الشرفاء بتيشيت مصطلح الحديث حتى نال إجازة السند في المصطلح وفي حفظ و تدريس متني صحيحي البخاري ومسلم.
كما تتلمذ على شيخه الشيخ سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم العلوي، وكانت له صلات بعلماء وأعيان و وجهاء عصره.
وكان قوي الدين راجح العقل حافظا أديبا موسوعيا إلى جانب شغفه بالمطالعة وقوته في المحاجة.
وكان رحالة طوف في البلاد زار أزواد والحوض و أرض ارگيبه وأفل وآفطوط و بلاد الگبلة وآدرار وعدد من بلاد المشرق والمغرب.
عاد بعدها إلى ولاته ليتفرغ لتدوين ما اكتسب من رحلاته من علوم أحوال عصره وأنساب أهل زمانه، تولى القضاء في إمارة أولاد امبارك في بلاد الحوض، وكان المستشار المطاع لأمرائها، والخل المصاحب لأعيان المجلس الأميري.
وقدرجع بعد اشتداد الحرب إلى مدينة ولاتة - كبرى حواضر العلم في المنتبذ القصي آنذاك - قبل أن يطلب منه بنو قومه "أولاد الناصر" الانتقال إليهم قاضيًا، ورئيسًا لهم، ومستشارًا لأميرهم في الشأن العام، و اشتغل بتدريس العلوم و تصنيف مؤلفاته، وتأسيس مجتمعه على التقوى والصلاح وقد تولى رئاسة القضاء.
ويقال إنه ألف زهاء 120 مؤلفا، ومن مؤلفاته :
- الحسوة البيسانيّة في الأنساب الحسانية وعليها مدار التأريخ في المنتبذ القصي والمورخون في المنتبذ عالة عليها
- سرح على ابن بري في المقرأ
- شرح على ورقات إمام الحرمين
- نظم الأوليات
- الأعلام في الأدب والتاريخ
- مقرب المعاني
- شرح على لامية الأفعال
- زخارف السلوك في معرفة الملوك
- أسماء البلدان
وله ديوان جمعه بنفسه يحوي العديد من القصائد.
ومن شعره قوله في رثاء زعيم أولاد الناصر عثمان ولد لحبيب:
بكتْ عـيـني وحُقَّ لهـا الـبكاءُ :: عـلى عثـمانَ إذ نزل القضاءُ
عـلى عثـمـانَ يبكــي كلُّ فضلٍ :: وتبكـيـه الـمـروءةُ والسَّخاء
فتًى حـاز الـمفـــــاخرَ كلَّ فخرٍ :: وشِيـمتُه القنـاعةُ والـوفــاء
فقـل فـيـه الـمكارمَ والـمعـالـي :: ومـن داء الجهالةِ قـلْ دواء
وكان لدى الغوامضِ خـيْرَ خِلٍّ :: وبحـرًا لا تُكـدِّره الـــــدِّلاء
فـيـا لـيـت الفداءَ له بنفســــي :: ولـيـت النـاسَ كلَّهم فداء
ولو نُعطَى الخيـارَ لما افتـرَقْنا :: ولكـن لا يُسـاعِفُنـا القضـاء
ومن شعره:
الطرف ما وجد الدليل إلى الكرى :: والطيف لم يجد السبيل إلى السرى
شوقي يهيجه الحمام إذا بكى ::: ويزيدني برق الغمام تذكرا
والسيل يجري ضعفه من أدمعي :: والريح تورثني خبالا منكرا
ويقود لي وقت الرواح بلابلا :: ويرد لي ضوء الصباح تحسرا
ياليت شعري أين ليلى هل سرت :: نحو الشواجر أو إلى وادي القرى؟
أم هل ثوت في رهطها من عامر :: أو جاورت صنهاجة أو مغفرا؟
عربية يعزونها في جعفر :: أو مذحج أو في ذوائب حميرا
تطفو وترسب في السراب كأنها :: روض تفتق زهره إذ نورا
زهر تخالف لونه في روضه :: فيخال فيه مدرهما ومدنرا
أو جنة من نخل يثرب أظهرت :: بسرا تخالف أحمرا أو أصفرا
فيها أوانس لا عوانس أسفرت :: عن لؤلؤ أو أقحوان أزهرا
نظموا الجواهر حلية لنحورها :: فغدت تزيد إذا تراها الجوهرا
كم طفلة عربية بهنانة :: في الحي يحسبها المراقب جؤذرا
فيها أميمة كالغزالة حولها :: زاهي الكواكب قاصدات عرعرا
ويقول مفتخرا بقومه "أولاد الناصر":
ألا قل لأرباب الحجا والبصائر :: وأهل العلوم الواضحات الظواهر
بأنا علونا بالإله وأننا :: فخرنا بعيسى وافتخرنا بناصر
وسدنا به أرباب كل سيادة :: وحزنا به قدما جسيم المفاخر
فإن تسألوا عني سؤال تجاهل :: أنا ابن أمير الركب من آل ناصر
مكانتهم من مغفر لا خفية :: وأيامهم مشهورة في العشائر
قد انتسبوا من جعفر لابن زينب :: كما صحح الأعلام أهل الدفاتر
أنا ابن الذي تطوى له الأرض فانبرى :: على عيره يوما لنصرة ناصر
ومن أرضه "والات" راح لـ "تكبة" :: كما في كلام في البرية سائر
وقدما رفعنا في المغارب معقلا :: زمان سليم، أو هلال بن عامر
ومن قبل دوخنا "زناگة" إذ شكا :: لنا منهم "الكنتي" شيخ الأكابر
ومن كان عنا سائلا عن تجاهل :: فنحن عياسات الظبا والمزابر
ونحن أقمنا للحجيج طريقه :: ونحن سننا توبة للمغافر
ونحن حملنا "بارك الله" حسبة :: إلى مكة الغرا وتلك المشاعر
ونحن ليوث الحرب في كل مشهد :: تدور رحاها بين تلك المقابر
وبالمحرقات المرديات بروقها :: صواعقها من مرديات العساكر
نقطع أعناق الكماة لدى الوغى :: ونضرب رأس الفارس المتجاسر
فأي فريق ما قتلنا سراته؟ :: وأية أرض لم نطأ بالحوافر؟
فصالحنا إن دان لله صالح :: وطالحنا حتف لأهل المناكر
ومن كان يحجو في المناسب سبة :: فإنا فخرنا بالقرون الغوابر
ولسنا كمن دانوا لحرب "زناگة " :: ولسنا كمن أعطوا جزاءً لقاهر
توفي العلامة صالح رحمه الله سنة 1271هـ - 1855م م و دفن عند أضاة "فات دن" الواقعة بين تامشكط و كيفه على بعد 40 كيلومترا شرق مدينة كيفة.
كامل الود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق