الشيخ المعلوم بن عبد الله البصادي
هو الشيخ المعلوم بن عبد الله الكوري بن سيد الأمين بن الطالب المختار بن الطالب عبد الله بن محنض بن أعجي، ولد سنة 1254هـ 1838 م.
نشأ في حضن أبويه الصالحين عبد الله الكوري، ولالة عيشه منت الشيخ المصطف بن العربي الأبييري.
أخذ مبادئ العلوم عن والده، ثم رحل للاستزادة، وكا ذا همة عالية فطوّف في البلاد في طلب العلم، فدرس في تيشيت وولاته وتمبكتو وهي آنذاك من أهم حواضر العالم الإسلامي وأشدها اكتظاظا بالعلم والعلماء والطلبة.
درس الشيخ المعلوم مختصر خليل على العلامة محمد الأمين بن أحمد زيدان الجكني، ويقول عنه العلامة الشيخ أحمد بن الشمس الحاجي في كتابه النفحة الأحمدية ص 127 :
".. ومنهم العلامة الدراكة المجذوب السالك الشيخ المعلوم بن عبد الله البصادي .. وهو كما حدثني كان قبل يقرأ العلم على والده وأرسله ليحرر ما قرأ عليه وأتى العلامة محمد الأمين بن أحمد زيدان الجكني وقرأ عليه ما قرأ أولا وزاد "
قرأ بالسبع وأجيز بها في ولاته، وبعد تحصيله وتضلعه من العلوم تاقت نفسه إلى حج بيت الله الحرام فأعمل الهمة في ذلك وبينما هو مستعد له تلاقى مع العلامة الشيخ ماء العينين قادما من زيارة أبيه بعد حجته المشهورة وكان ذلك اللقاء نحو سنة 1274هـ فكان مما أعقبه أن أخذ الشيخ المعلوم الطريقة القادرية عن الشيخ ماء العينين بأمر من أبيه في المنام وسار معه صوب أرض الساقية الحمراء وكان من خدمته تدريس العلم للتلاميذ وغير ذالك ولم يزل مع شيخه هذا تارة يفد معه إلى سلاطين المغرب وتارة يخلفه في عياله وتارة ينيبه في بعض مهماته إلى أن أصدره وكتب له الإذن الشامل في إعطاء الأوراد ونفع العباد وأرسله إلى الحج ثم منه إلى أهله.
وفي طريقه إلى الحج مر بسلطان المغرب الحسن الأول فطلب منه المعونة على الحج، وهنا يروي العلامة نافع بن حبيب بن الزائد التندغي عن شيخه العلامة محمد سالم بن ألما اليدالي عن الشيخ المعلوم نفسه أنه قال للسلطان : " أنا عالم من علماء المسلمين وقد نفد زادي فأعني بالمال فإن لي حقا في بيت مال المسلمين كغيري من سائر العلماء"
فتغافل عنه السلطان وأسرّ إلى علماء البلد أن يمتحنوه فأتاه شخص وهو بمعزل عن المسجد والناس مجتمعون لصلاة المغرب فقال له: قم بنا إلى الناس فلما أتاهم قام شخص فنادى يا علماء المسلمين إني أعتقد عصمة الرسل والله تعالى يقول:" إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم" فأزيلوا عني هذا الاشكال فقالوا كلهم مالها غيرك أيها الشنقيطي، فقال لهم بديهة إلا هنا بمعنى الواو فأظهروا غاية الاستغراب ثم قالوا له أين النص؟
فقال: إن العلامة النحوي الشهير المختار بن بونَ قال في احمراره على الألفية :
وإن تكن إلا بمعنى الواو :: فاعطف بها في قول كل راو
ويضيف العلامة محمد سالم بن ألما: وكان الشيخ المعلوم رضي الله عنه وعنا حافظا للنصوص مدرسا لها وكان العلماء هناك غير حافظين لها ثم جاؤا إلى السلطان معجبين به وبحفظه فقالوا له: لا عالم مثله فقضى حاجته وأكرمه غاية الإكرام لما أذعن له العلماء وسيره بعد ذالك إلى عامله على طنجة ليهيئ له مركبا بحريا إلى الحج وأعطاه ظهيرا لجميع من يمر به في طريقه من الملوك والأمراء.
فركب من طنجة عشية إلى جبل طارق ثم ركب من هناك مركبا آخر بلغه مدينة الإسكندرية بعد عشرة أيام على متن البحر ومنها إلى القاهرة ثم من هذه إلى السويس في قطار بري ثم ركب قاربا مضطرب السير على البحر الأحمر ورسا به على شاطئ الينبوع.
وقد نظم هذه الرحلة العلامة الشيخ باب بن الشيخ سيديا لما حدثه بها فقال في أول منظومته :
حدثنا الشيخ الرضا معلوم:: والصدق منه والتقى معلوم
قال ركبنا مرة في حجة :: بابور بحر غدوة من طنجة
وظهر ذا اليوم حللنا بالجبل::طارق الشهير شهرة المثل
ثم ركبنا مغربا من طارق :: بابور آخر كلمح البارق
وصبح عاشرة هذا السفر :: كان وصولنا قرى الإسكندري
طلوع حاجب ذُكا من غير:: تلبث أثناء ذاك السير
إلا سويعة بملطة تلي :: ثالث الأيام بعيد الجبل
وغيرها تفري الدجا واللججا :: في ماخر كالنيق لا يخشى الوجا
ثم ركبنا من قرى الإسكندري :: في ذات ألواح لها ودسر
ظهرا ومغربا حللنا القاهرة :: ذات المعالي والمساعي الباهرة
ثمة من قاهرة ارتحلنا :: ظهرا وعند مغرب وصلنا
إلى سويس الشهير المعلم :: وهو على شاطئ بحر القلزم
ونحن في البر على بابور :: يعدو كعدو الظبية النفور
ثم من السويس في قويرب :: يسير في البحر كسير العطب
كأنه من عدم الثبات :: والاضطراب صيدح الحوات
كان خروجها ضحى وأحدا :: عشرَ يوما والليالي عددا
وضحوة عند انتها المجموع :: كان وصولنا إلى الينبوع
ثم من الينبوع عند المرتحل :: ظهرا خرجنا ننتحي خير محل
على جمال واهيات الأرجل :: تمشي كمشي الجمل المنسفل
والسير من عصر إلى الضحى يرى :: وفي الصباح يحمد القوم السرى
وبعد خمس إذ بدت براح :: لاح لنا النجاح والفلاح
من طيبة دار النبي المصطفا :: صلى عليه ربه وشرّفا
وصحبه البررة الأخيار :: نجوم الاهتدا لكل ساري
من بالمصلى وبقيع الفرقد :: من فائز وشهداءِ أحُد
عليهم من ربنا السلام :: أزكى صلاته مع السلام
وتم ما نرجوا بكل حال :: بهم من الموصوف بالكمال
وفي هذه الرحلة التقى الشيخ المعلوم بعلماء البلاد التي مر بها فحاورهم وحاوروه وانتفعوا به لأنه كان حافظا للمدارك والنصوص، ومن الغريب أنه كان يحفظ شرح الزرقاني على مختصر خليل ممزوجا بنصه وغير ذلك من الكتب عن ظهر قلب وروي عن أهل القرى التي مر بها بعض عاداتهم وأخلاقهم وما بين قراهم من المسالك والمسافات وذلك أمر قلّ أن يعتني به إلا ذوو الهمم العالية.
يقول العلامة الشيخ باب بن الشيخ سيديا في هذا المجال:
والشيخ معلوم روى عن أهلِ :: الإسكندرية صحيحَ نقلِ
بأن بينها وبين القاهرة :: سبع ليالٍ للجمال السائرة
تحمل الأثقال وهكذا الذي :: بين سويسٍ الشهيرِ مع ذي
وبين فاس للجمائل ترى :: ستة أشهر لأفضل القرى
وبعد أن قضى مناسك الحج والزيارة خرج يتتبع المزارات الشريفة من أضرحة الصحابة وأكابر التابعين والصلحاء، فبارح مكة لهذا القصد ثم رجع إليها ليحج ثانية ويعتمر ثم خرج منها إلى المدينة المنورة فلازم العبادة حذاء الضريح الشريف مدة مختلف في قدرها من سنة إلى أدنى من ذلك، قائما ليله صائما يومه مستغرقا جميع جميع أوقاته في العبادة، وعند انقضاء المدة المذكورة رأى بشرى تنبئ بصلاح مرامه، فخرج مع قافلة متجهة ناحية المنتبذ القصي، وصار أهلها يتنافسون على حمله لما تبين لهم أنه من أجلاء العلماء وأكابر الصالحين، ولم يزل في طريقه مصاحبا باليمن والتسخير إلى أن بلغ مسقط رأسه وبمجرد وصوله فجر فيها عينا تسمى ذات الدين وأسس زاوية صوفية ومدرسة علمية يردها طلاب العلوم من كل ناحية، وانكبت عليه جموع الناس ما بين مسترشد متعلم أومريد حاجة دنيوية أو أخرى أخروية وهو يلقى الجميع بما هو عادته من الخلق الحسن والرأفة والنصح لهم.
وبنى في هذه الفترة دارا للأضياف لا يزال بعض آثارها قائما إلى اليوم على كثيب بير اللبن الغربي، وأمر بدف يضرب لهم من وقت الغروب إلى مضي أكثر الليل.
يقول العلامة الشريف بن الصبارالمجلسي:
إن البكاء على البيقور مذموم :: إن لم يكن بقرا بالصاد موسوم
إن الثناء على الأنصار محمدة :: والحمد لله نعم الشيخ معلوم
ولما كان عام 1321هـ وهو العام الذي دخل فيه المستعمر أرض المنتبذ سار إلى شيخه الشيخ ماء العينين فزاره ورجع من عنده، ثم في الأعوام التي تلي ذلك تحرك للسفر نحو شيخه هذا على نية الجهاد معه واستاق لهذا الغرض كثيرا من المواشي والمعونات الأخرى أمامه ويحتمل أنه أخذ أهبته لهذا السفر من مدينة اندر عاصمة غرب إفريقيا آنذاك وهذا حيث يقول من مطلع قصيدة له:
ألا شمر فما قد كان عارا :: على المرء الهوى، دُر حيث دارا
من اندرِ الخبيثِ فدع كنيسة ::بها اجتمعت فجاورَنا النصارى
إلى ماء العيون الغوث يمم :: ونجل الغوث من عز نجارا
أيا مخل لبالك كل حال :: حذارا من ضرر البازي حذارا
فذاكم ما بأعييننا نراه :: ولا ضررا نريد ولا ضرارا
واستمر في سفره هذا إلى أن بلغ "تامرزگيت" بآوكار فوجد عندها الولي الصالح محمدو بن حبيب الرحمن التندغي فنصحه بالإقلاع عن رأيه هذا وقال له: إن سيره عن قومه أوان ظهوره فيهم واستجلابهم به كل خير وردهم به كل ضير ليس من الرأي ولا من الشريعة فلم يصغ لقوله بعد أن قال له: سترجع لا محالة.
وسار إلى أن بلغ أرض إينشيري فاستضاف بها الولي الشهير الشيخ سعدبوه بداره في اتويزگت وبعد ليالي الضيافة الثلاث قال له في هذا المجال إن شيخك الشيخ ماء العينين قال لي إن تلاميذه في أرضي كتلامذتي ولا فرق وكذلك هو بالنسبة لتلامذتي أنا معه وقد صار أمري عليك واجبا من هذه الناحية وعليه فإنني سأوصل ما معك من الهدايا والطرف إلى الشيخ ماء العينين وأعزم عليك أنت بالرجوع لحاجة المسلمين إليك في أرضك وسأكون مراسلا لك بأخبار أشياخك وتفاصيل ما يطرأ فيهم كل عام وألحّ عليه في العودة فرضي بذلك ورجع بعد أن أبان له الحجة عنده.
ودامت المراسلة بينهما في ذالك المعنى فرجع وكاتب المستعمر في ذلك التاريخ مكاتبة على بعض الامتيازات.
ولما كان عام 1332 هـ حفر بير انكتو المهداة اليه في أرض شمامه وخلف عليها بعض تلاميذه لزراعة أرضها واجتناء صمغ قتادها وما أشبه ذلك من الخدمة ولم يزل مخيما ببير اللبن ونواحيه ولم تزل زاويته مفتوحة للوراد والمسترشدين إلى أن توفي ضحوة يوم الأربعاء 11شوال 1349هـ ، بعد أن عاش عمرا ينيف على التسعين سنة لم تضعف له فيها حاسة، بل صام رمضان قبل وفاته وأم الناس في صلاة التراويح ودفن في بير الله حيث أبواه وجده الشيخ المصطف وضريحه هنالك مشهور، وقد ترك عدة مؤلفات كما ترك عدة أبناء.
كامل الود

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق