وطن!
في انتظار موعد الإركاب “الإقلاع” في مطار الدار البيضاء محمد الخامس الدولي، تجمّعنا في فضاء للعبادة “مصلى”.
مطار محمد الخامس ذكرني رغم الفارق الزماني والمكاني بگراج لكصر القديم الواقع غرب المطار القديم والذي كان يجمع “ابّصاجتْ” جميع المدن الداخلية ومن الطريف أنه كان يعرف بگراج روصو وگراج النعمة وگراج أگجوجت عدة مسميات لمكان واحد.
مطار محمد الخامس نقطة تجمع لأهل المنتبذ القصي المتجهين إلى أصقاع المعمورة، في فضاء العبادة ذلك تجمّع أهلنا أهل المنتبذ كل طائفة تنتظر موعد إركابها كان أغلب المسافرين شبابا في عمر الزهور وإن كان يُرى كهل وشيخ وفتى، وكانت الوجهات مختلفة.
قوم رمى بهم عوز الكرام والبطالة إلى عدة دول بغرب إفريقيا وكانوا يتحدثون عن خطر تلك البلاد من عصابات لاتعرف الرحمة وجريمة منظمة وحمى قاتلة ولغة أكلوني البراغيث غير المجازية المنتشرة.
وقوم رمت بهم يد النوى إلى الولايات المتحدة الأمريكية وقد حصلوا على تأشيرتها بعد التي واللتيا ثم أرغمتهم الظروف على العمل في مهن حرة متعددة من ضمنها التهريب بين الولايات، وظلوا سنين صابرين يشيمون برق “البطاقة الخضراء” التى بدونها لن تكتحل أعينهم برؤية الوطن والأهلين، فهان كل صعب في سبيلها، الزواج طلب اللجوء..
قوم رماهم يمّ الفقر المزبد في المنتبذ إلى سواحل الضياع بالخليج بين استغلال شركات الأمن الخاصة، إلى انتظار الموسم “الحج” في السعودية الذي يمثل فرصة سنوية لكسب بعض المال، إلى تهريب الركاب “تاكسي”، ومن كان مؤذنا أو مطوعا فقد نال الأرب..
خلال حديثنا اتفق الجميع أن “الحال امتين” في البلد وأن مرارة الغربة يلخصها ما يقوله المصريون”إيه إلّ رماك ع المرْ – إلّ أمرْ منو”
مقالة “موريتانيا بلد غني وشعب فقير” مقالة مضغتها العجول لكنها واقع مرير.
البلاد “عاملة ناصبة” طاردة طردا مركزيا لايبقي و لايذر.
تأخر موعد رحلتي أتاح لي في ذلك الفضاء لقاء الكثير من مغتربي المنتبذ القصي كان أغلبهم شبابا مثقفين متعلمين واعين، ومما استنتجناه أن عدد المغتربين كبير وذلك بحكم اتفاقنا أنه لا يعرف أحدنا أسرة من أقاربه أو معارفه أو جيرانه إلا وفيها مغتربون في بلد تعداد سكانه ثلاثة ملايين فقط.
أحزنني حال المنتبذ القصي وحالنا، وطن يطردنا ويبقى ساكنا فينا، وكما يقول إليا أبوماضي:
لبنان فيكم ماثل إن كنتم :: في مصر أو في الهند أو في الصين
لبنان لا تعذل بنيك إذا هم :: ركبوا إلى العلياء كلّ سفين
لم يهجروك ملالة لكنّهم :: لا يقنعون من العلا بالدون
لم يهجروك ملالة لكنّهم :: خلقوا لصيد اللؤلوّ المكنون
وتذكرت قول عبد الرزاق:
يا صبر أيوب، لا ثوب فنخلعه :: إن ضاق عنا .. ولا دار فننتقل
لكنه وطن، أدنى مكارمه :: يا صبر أيوب، أنا فيه نكتمل
وأنه غرة الأوطان أجمعها :: فأين عن غرة الأوطان نرتحل
تذكرت قول الروائي حجي جابر في “مرسى فاطمة”:
“الوطن كذبة بيضاء يروج لها البعض دون شعور بالذنب، ويتلقفها آخرون دون شعور بالخديعة!”
الله يا وطن الأوجاع ياوطني
كامل الود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق