يوم النعناع
كان شيخا كُبارا وكنت أختلف إليه في بعض الأحايين..
كان يأوي من الثقافة الشعبية إلى ركن شديد، وكان يحدثني عن غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، وكان يضرب المثل في البعد بواد نون..
كان يأوي من الثقافة الشعبية إلى ركن شديد، وكان يحدثني عن غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، وكان يضرب المثل في البعد بواد نون..
سألته ذات سانحة عن واد نون، صمت برهة ثم مسح لحيته بيده وأخذ نفسا عميقا وقال:
واد نون.. واد بعيد.. بعيد يا ولدي..
فقدَ فيه جدنا ضرسه صبرا يوم النعناع..
قلت له وما يوم النعناع؟
واد نون.. واد بعيد.. بعيد يا ولدي..
فقدَ فيه جدنا ضرسه صبرا يوم النعناع..
قلت له وما يوم النعناع؟
قال: ذات رحلة لبيع الملح والبحث عن ريش النعام وصل جدي إلى واد نون، فوجد زعيمه قد ضرب (أگيطون) يسيح فيه الفارس، بثت فيه الزرابي وصفت فيه النمارق، ووضع الفحم في الأفران ونفخ رجال في ضرامها بالرّابوژ(الحانوت) الزكي الرائحة ذي الجلد الأصفر الموشي بالذهب..
ثم طاف الغلمان على الناس بصحاف اللحم والكسرة وقصاع الكسكسي، وأباريق الشاي وكؤوس ماء الود، وكاسات الشهد، ومغاسل النحاس عليها المغارج والصابون البلدي المعطر طري الملمس..
ودارت عليهم الجواري بمواقد البخور ورشاشات المسك الممزوج بالعنبرومسحوق الغوالي..
ودارت عليهم الجواري بمواقد البخور ورشاشات المسك الممزوج بالعنبرومسحوق الغوالي..
كان زعيم واد نون يتصدر المجلس يحيط به الوجهاء ، جلس جدي في طرف المجلس يجتلي ويجول ببصره في ذلك المشهد العجيب الذي لم ير مثله في حياته وهو القادم من أعماق المنتبذ القصي.
مر غلام يحمل طبقا من النعناع الأخضر فمدّ رجل يده إلى حزمة من النعناع شمها منتعشا، ثم أرجعها للطبق..
صاح الزعيم من على كرسيه بصوت مجلجل كالرعد: اقطعوا رأس ذلك الرجل الذي يشم النعناع في مجلسي!
قدم إليه رجل قوي البنية وذهب به إلى المقصلة..
قدم إليه رجل قوي البنية وذهب به إلى المقصلة..
وضع جدي يده إلى فمه متعجبا!
فصاح به الزعيم بذات الصوت المجلجل كالرعد: مالك يامن تضع يدك على فمك؟
فصاح به الزعيم بذات الصوت المجلجل كالرعد: مالك يامن تضع يدك على فمك؟
فارتعدت فرائص جدي فرقا – يقول الشيخ – وقال بسرعة: تؤلمني ضرسي..
فصاح الزعيم برجل آخرقائلا: (حيّدلو الرحى إديالو)..
فصاح الزعيم برجل آخرقائلا: (حيّدلو الرحى إديالو)..
فامسك بي رجل مفتول العضلات، خرج بي وفتح فمي وسألني عن الضرس التي تؤلمني فأشرت إلى واحدة، فأزالها بكماشة عنده دون أن أحس بأي ألم لفرط الخوف..
ثم تحسس جدي رأسه وحمد الله أنها ماتزال على رقبته، وانطلق راجعا إلى المنتبذ القصي لايلوي على شيء.. راضيا من الغنيمة بالإياب.
كامل الود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق