الثلاثاء، 27 فبراير 2024

من أعلام ولاته
العلامة منيره بن حبيب الله الألفغي الشمشوي




هو منيره بن حبيب الله بن المختار بن أعمر بن أبوبك بن محمد بن يعقوب بن أحمذنلَّ بن مهنض أوبك بن أبي يعلي بن دبيال يعقوب الألفغي الشمشوي

والده حبيب الله بن المختار المعروف بـ(صاحب السم)، دفين "ملزم ازريبه"
المُشتفى ببروقه و بريقه :: من كل ذي حُمَةٍ و داءٍ مُعْضلِ

وأم حبيب الله هي تنغوس بنت أشفغ أوبك بن أشفغ مگر التامگلاوي، وهو ابن خالة الإمام ناصر الدين، وشارك معه في حرب شرببه كما ذكر ذلك العلامة امحمد ولد أحمد يوره في نظمه لبنات أشفغ أوبك:
عجْ بالكبير أبي الكبارِ الكُمّل :: وأبي البنات وهنّ حرز المنزل
فولدنَ كلَ مجاهدٍ ومشاهد :: سر الغيوب وكل قاضٍ أنبل
مثل الذي بسيوفه وزحوفه :: رد الأنام إلى الطريق الأعدل
ومنير دين المصطفى وشقيقه :: ورد الحمام مع الرعيل الأول
والمشتفى ببروقه وبريقه :: من كل ذي حمة وداء معضل
والموسويين الأُلى قد فصلوا :: حكم القضاء بكل حكم فيصل
والنظم ضاق ببعضهم فحذفته :: ولربما حذف الذي لم يجهل

ولحبيب الله صاحب السم خمسة أبناء وخمس بنات وأم الجميع خديجة بنت المژدف بن يؤقب البهناوي وكان صالحا ذا خوارق مشهورة منها أنه هو وأبناؤه يرقون السم بلا رقية.
ويوجد قبره عند ملزم ازريبه يقول فيه صاحب نظم المدافن العلامة المختار بن چنگي اليدالي:
وصاحب السم حبيب الله :: فلا تكن عن زوره باللاهي
إذ نوره كالشمس في الظهيره :: صلى عليه ملزم الحظيره

ويقول الشيخ الخديم أحمد بمبَ امباكي متوسلا به:
فبحبيب الله أن تنجي :: جسميَ من حُمّى ومن (قلنجي)

ومن أبنائه صاحب الترجمة، العلامة منيره بن حبيب الله، الذي عاش القرن الثاني عشر الهجري، وتوفي سنة 1163هـ/1749م.
وهو شيخ جليل وعالم متبحر وإمام في العلوم النحوية واللغوية هاجر من “الگبلة” إلى حاضرة العلم مدينة (ولاتة)حيث طاب به المقام ردحا من الزمن، واشتهر عطاؤه العلمي، وأسهم بقسط وافر في نشر العلم في ربوعها، ولاسيما النحو واللغة.

ومن أبرز الآخذين عنه: الإمام عمر مم بن محمد بن أبي بكر الولاتي (ت. 1201ه/1786م).
والحاج أبو بكر بن الطالب عمر البرتلي (ت.1179ه/5-1766م)
وأحمد بن سيدي عثمان بن مولود الغلاوي (ت. 1179ه/5-1766م)
والحسن بن الطالب أحمد بن علي دكان البرتلي (ت. 1173ه/1760م) وغيرهم.

وقد ترجم له البرتلي في تاريخه (ص. 36) وفي فتح الشكور (ص. 220) ووصفه ب”شيخ أشياخنا” وقال إنه “كان أستاذا فاضلا جليلا نحويا لغويا أديبا، له حظ في القراءة والفقه والأصول وغير ذلك، حسن الخلق جميل العشرة، شاعرا ناثرا، له شرح حسن مفيد رتب فيه توضيح ابن هشام على الخلاصة سماه: “الدلاصة على الخلاصة”.
وله نوازل فقهية، وأشعار وأنظام مختلفة.

ومن آثار منيرة الأخرى التي ما يزال لها حضور حي في ولاتة قصيدته التوسليةاليائية التي مطلعها:
بِبَابِكُم حَاجَوِيُّ :: يَا أَحْمَدَ الْقَرَشِيُّ.
وتخميس الطالب أعلي بن الطالب أعمر البرتلي (ت. 1179ه/1766م) لها المسماة “وسيلتي” ما زالت إلى اليوم هذه القصيدة مما يُحْيِي به الرجال عيد المولد في المسجد وفق “ضربة” خاصة بها، ويتغنى بها النساء على الطبل ليلا.
وكتب في بداية إحدى نسخها المتداولة في ولاتة ما نصه: «هذا تخميس قصيدة (وسيلتنا إلى ربنا) لمنيره الشمشوي، أنار الله منا ومنه السريرة: “بِبَابِكُم حَاجَوِيّ”».

ومن أهم آثاره العلمية و الثقافية (حبب الدلاصة في ترتيب التوضيح على الخلاصة)
قال عنه البرتلي في فتح الشكور: “الطالب سيدي منيره بن حبيب الله التشمشاوي ـ رحمهما الله تعالى ـ، كان ـ رحمه الله تعالى ـ أستاذا فاضلا جليلا، نحويا، لغويا، أديبا، له حظ من في القراءة والفقه والأصول وغير ذلك، حسن الخلق، جميل العشرة، شاعرا، ناثرا (…) قرأ عليه الألفية الإمام عمر بن أبي بكر الولاتي ، والحاج أبو بكر بن الطالب محمد بن الطالب، وأحمد بن سيدي عثمان بن مولود الغلاوي، وغيرهم، وانتفعوا عليه ولله الحمد. توفي ـ رحمه الله تعالى ـ عام اثنين أو ثلاثة وستين ومائة وألف”.

والدِّلاص: الشيء البرَّاق، ويقال للذهب.
أما الحَبَب فيقال للأسنان المنضَّدَة،(على التشبيه) ويطلق على الفقاقيع على وجه الماء، والندى يغطِّي النَّبات في الصَّباح الباكر، وما يعلو الخمر والذهب الذائب من الفَقَاقِع.

يقول العلامة منيره في مقدمة الكتاب:
“الحمد لله المنَزَّه عن النَّحْو والتشبيه ذي الآلاء السنية، وصلى على من نَحْوُه نحْوُ الشك عن نَحْوِ الحنيفية، وعلى الذين نَحَوْا طريقه ونَحَّوا عنها من كل النَّواحِي بِنَواحِي الظُّباة السنية”
وقد رسم العلامة منيره في مقدمته منهجا واضحا سار عليه في الشرح، ومن ذلك المنهج ما نبه عليه من أنه قد يلجأ لتغيير نص ابن هشام بتحوير كلمة أو حرف، وبالزيادة تارة؛ ما دعا لذلك داعي ملاءمة، وأنه ربما يشغله عن برق الترتيب المُتَأَلِّق حُبُّ التقريب، إضافة إلى إضاءة في مصطلحه تعين القارئ؛ يقول: “ربما غيرت لفظا منه ليلائم النص وإذا لم يلائمه بتغير حرف أو كلمة زدت عليه ما ينجح بعضها إلى بعض، وجعلت الهاء بعد الزيادة إشارة إلى نصه، وصورتها: هـ، وألجأني حب تقريبه على عدم ترتيبه، وذلك لا يضره (…) وإذا حضرني قول كَثُرَ ونسيت قائله أو اقترحته من نفسي قلت: قلت، وعند قول الإمام الشاطبي أقول: قال صاحبها، وأقول كلما كلام ابن هشام انتهى: انتهى”

ولما كان قصد منيره من شرحه التقريب للتلاميذ ناسَبَ ذلك أن يختصر، فكان حين “يطنب ابن هشام” في موضع ما “يُقْصِر عنه العِنَان”، وربما يصرفه طلب الاختصار عن ذكر وجوه لبعض الألفاظ ومعان لبعض الحروف نبه عليها؛ لأنها “لا تليق بمختصر المختصر”، وحين يطيل ـ وفي كلٍّ خير ـ يقدم بين يدي القارئ معذرته؛ من ذلك قوله معتذرا عن الإطالة في الكلام عن العدد: “وإنما أطلنا الكلام في هذه المسألة؛ لأنها مزلة أقدام الفقهاء، فإنا شاهدنا مراسلة وقعت بين جم غفير منهم، ونصها: وما دية خمسة عشر موضحة، وفي الجواب: فأما دية خمسة عشر موضحة، إلى غير ذلك”
وليست الدلاصة مجرد طرة حَسَنَتُها ترتيب التوضيح فحسب؛ بل هي شرح ـ وإن كان في أصله اختصارا وترتيبا للتوضيح ـ يناقش صاحبه ويعترض ويستدرك وتحس بوجوده داخله من خلال أثره فيه، وليس قصده بالاعتراض الاعتراضَ لذاته، وكيف وهو الذي يعلق على ابن هشام وقد اعترض على ابن مالك وابنه بقوله: “وأخذ ابن هشام هنا في اعتراضاته على الناظم وابنه، وما قولنا فيهما إلا كما قال أبو القاسم في القراء:
جزى الله بالخيرات عنا أئمة ** لنا نقلوا القرآن عذبا مسلسلا
كما قال:
أبحت حمى تهامة بعد نجد :: فما شيء حميت بمستباح”
يناقش منيره في مستهل باب التأنيث الأزهري في قوله “إن المعاني المدلول عليها بالألفاظ أشخاص الجواهر، وهي على قسمين حيوان وجماد …”، باعتبار أن في ذلك نظرا، “ولو قال إن الألفاظ على قسمين جماد وحيوان، والحيوان على قسمين ذكر وأنثى لأجاد التفصيل”، ويأخذ على ابن هشام في باب الإمالة تمثيله بكاد وهو يتحدث عن السبب الثالث للإمالة المشار له بقول ابن مالك: وهكذا بدل عين الفعل إن ** تؤل إلى فلت”، وذلك أن تمثيله بها “مخالف لما قال بعض أهل اللغة إنَّ كاد أصلها فعُل ـ بضم العين ـ كطال، وشذ عن نظائره؛ لأن قياس مضارعه أن يكون مضموما، قال في اللامية: والضمَّ من فعُل الزَمْ في المضارع”
وغير بعيد من الاعتراض والمناقشة الاستدراك، ونكتفي هنا بعرض نماذج من استدراكات منيره على الخلاصة:
ـ يقول في تعليقه على حديث ابن مالك عن كَسْرِ همز إن ـ بعد شرح قوله: وكسروا من بعد فعل علقا :: باللام كاعلم إنه لذو تقى
ولو زاد بيتا فقال فيه:
أو وَقَعتْ صفة أوْ خَبَر ذاتْ :: أو بعْدَ حيْثُ هكذا روى الرُّواةْ
لوفى بالمراد”
ـ وفي باب ظن وأخواتها يرى أن الناظم لو قال:
وَجَدَ ألْفى وتَعَلَّمْ ودَرَى :: أحلّ في تلك اليقين الخَبَرَا
عَدَّ حَجَا زَعَم هَبْ وَجَعَلَا :: خَبَرُها للشك حَتْما جُعِلَا
رأى علمْ فيه اليقينُ قدْ غَلَبْ :: واعكسْ بِخَالَ وظننت وحَسِبْ
لأجاد التفصيل”، وأنه لو قال:
وذانِ إذْ ذَالِكُمُ كَذَيْ كَسَا :: لِذَيْنِ في ذَيْنِك شِبْهٌ وَائْتِسَا
لوافقه التوضيح؛ يعني أن هذين المفعولين إذا كان ذلك كمفعولي كسا لهذين اقتداء بذلك”
ـ كما يقول مختتم ما لا ينصرف قبل البيتين الأخيرين منه: “وأهمل الناظم ـ رحمه الله ـ أمس، ولو قال:
كذاك أمسِ إن أردْت ما يليهْ :: يَوْمُك إن جَرَّدْتهُ فكنْ نَبِيهْ
لوفى بالمراد.
أي: إن جردته من أل والإضافة، والنبيه هو العاقل”
ـ وفي باب الإخبار بالذي يقول مستدركا ثلاثة شروط من شروط المخبر عنه بالذي أهملها ابن مالك:
وكونه في جملةٍ ذات خَبَرْ :: شرْطٌ له شَهَّرَه مَن اشْتَهَرْ
وُرُودُه في الثَّبْتِ دون ميْنِ :: وَلَا يُرى فِي مُسْتَقِلَّتَيْنِ”

وقد ظل هذا النص سنين عدداً أثراً مفقوداً في أوساط المحظرة الموريتانية، واستمر البحث عنه يثير فضول طلبة العلم في هذه البلاد بعدما أشار إليه عدد من المؤلفين من علماء المنطقة، كان من أبرزهم الطالب محمد بن أبي بكر البرتلي الولاتي(المتوفى عام 1219هـ/1805م) في كتابه “فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور”.

وبعد حقب متطاولة من ضياع الكتاب، اضطلع الباحث الدكتور محمد المختار ولد السعد بمهمة تحصيل نسخة منه عندما كان في مهمة بحثية في العاصمة الفرنسية باريس أواسط ثمانينيات القرن الماضي إذ تمكن من استنساخ نسخة ميكروفيلم بالمكتبة الوطنية بباريس.
وصف المخطوط تندرج النسخة الباريسية ضمن مجموع المكتبة العمريةالمحفوظ بالمكتبة الوطنية بباريس تحت رقم 186-79، 5545. ويوجد النص ضمن مخطوطات أخرى من هذه المكتبة، ويبدأ ترقيم صفحاته بالرقم 79 وينتهي بالرقم 189، أي ما مجموعه 111 صفحة. إضافة إلى هذه النسخة الأصلية، هناك نسخة أخرى مستنسخة منها، لكنها خضعت لعملية تصحيح أشرف عليها العلامة محمد سالم ولد المحبوبي رحمه الله تعالى، حيث نجد في خاتمة هذه النسخة إفادة بذلك بخطه.

ويمكن أن يكون شرح العلامة منيره للألفية المسمى “”حبب الدلاصة” هو أول شرح شنقيطي للألفية، وربما يكون سبقه كتاب العلامة انجبنان بن محمذن ابن أحمد چهچ الألفغحيبلي، الموسوم بـ (شافي الغليل في علوم الخلاصة والتسهيل)، ذلك جدل بين الباحثين، خاصة وأن الرجلين عاشا في فترة واحدة، حيث توفي منيره 1162هـ وتوفي انجبنان1160هـ، لذلك يبقى الاحتمال وارد حتى تثبت الأولية لأحدهما بالحجة.

بعد مقامه الطويل في ولاتة رجع العلامة منيرة إلى الگبلة وتوفي بها ومن شعره وهو في غربته:
ألا يا خفاف الجن بالله خبروا :: بلادي وأوطاني بما أن قائله
وقولوا لهم إن الغريب غريبهم :: على سطح دار ذاهب العقل ذاهله
وليس له من صاحب ومؤنس :: سوى ساحرات كل حين تقاتله

وبعد أن طال مقامه في ولاته وأحوازها، وعميّت أخباره على ذويه، عاد من ولاتة إلى مسقط رأسه بأواسط إيگيدي حيث عاش بقية حياته، ورزق أبناءه: محمذ، والسعد، وعبد الله، وأحمدُّو.
وتوفي – على الراجح – عام 1163ه/1749م ودفن في “اكْفُوذْيَلَّه” الواقعة على بعد 65 كلم من نواكشوط جنوب طريق الأمل.

كامل الود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  / ومن باب المداعبة، والشيء بالشيء يذكر كان الشريف عبد القادر رجلا صالحا، وكان يفرض على الناس (فِفتنًا) يهدونه له، والفِفتن قطعة نقدية كانت...