السبت، 26 أكتوبر 2019

التداعي الحر



سألني صديقي ذات سمر عن إعراب كلمة (تتهازْ) في قول الأمير:
لبست منت البندير احزامْ :: عشرين امن الذرعَه - تتهاز
واعليانََ بعد أبلحرام :: يذاك ألَّ عادْ التخبازْ
قلت له أظنها "حالا" وإن كنت أنا دخلت حالا فهذا الگاف تمثل به أحد العارفين ذات حال.
ولا أظن ذلك الحزام إلا حزاما ناسفا.

يمثل نافع ولد يَـيّين ولحلو ولد يَـيّين ابني إبراهيم بن اعثيمين الملقب ( يين) بن البواه ، حالة ثقافية خاصة أضافت لونا خاصا للمشهد الثقافي للمذرذرة..
من أدب الحكمة يقول نافع
ول آدمْ واسوَ مولْ حظ :: سمعتْ وذنو مُبيقه
لا يحكم بيه مااگبظ ::  لخبار اعلَ الحَقيقَه

ومن أدب (لحريثة) أنه عرف كورية في مدينة "اندر" على مدى سنوات فكان لا يصادفها إلا وهي مرضع أو حامل ، فقال مداعبا في تورية زراعية:
 يللي للرزق أمخمبي :: بنواعو كامل خاصة
من يوم ألجيت أمبمبي :: ما گط ألحگتك ماصة

ذات مرة كان رحمه الله في دكان في مدينة اندر ومر من أمامهم فرنسي أصلع شديد البياض ، سأل عنه فأخبروه أنه سيف اتْراوَ(chef de travaux) وكان قد سمع به فقال تلقائيا:
هذا هو سَيفْ اتْرَاوَ  يلالي مبيظ هذا السيف
فنبهه أحد الحاضرين قائلا، ذيك مگعدة ما خاسر اعليه شي ، فأكمل الگاف مباشرة:
هو ذ السيف اليَظَّاوَ :: وابيظ كيفت محگن لخريف
هذا هو سَيفْ اتْرَاوَ :: يلالي مبيظ هذا السيف

كان سريع البديهية رحمه الله

وذات مرة نظر نافع إلى صورة ملاكم متحفز على علبة كبريت (علمت le Boxeur) فقال يخاطبه:
ارجل سروالك منكرفه :: وامنعّت للخلق اجهيدك
لحگك تخبط حد ابْكُرْفَه "" ولّ تكرف عن حد أيدك

وفي رحلة على متن إحدى سيارات شركة "Lacombe" الفرنسية للنقل المعروفة محليا بـ "لَكَمْ" طفق السائق يعظ نافعا فقال له:
كندارت لكم ::: يخياتُونِ
لكم دينكم :: وليّ دين

ومرة مرَّ بامرأة تبيع امنيجه ، فقالت له: نافع گولي گاف نعطيك صرَّة من امنيجه، فقال على البدهية:
يلِّ  مَضَرَّه :: وابلا سريرَه
اباش الصرَّه :: عندك لكبيرَه

وذات شاي كانت الكأس مجراها الشمال فصَبَنَ القيّام الكأسَ عن نافع ، فغضب نافع وهم بقول شيء:
ذ القيّامْ أثرو مُزبّي :: ولّ ما ظفَّ لعْمارَ
عندها ظهر القيّام فإذابه رجل يجلّه نافع فقال على البديهة:
استغفرُ الله ربّ :: إنه كان غفارَ

ويقول مداعبا صديقا له ذات شاي:
أتايك هاذ يلخو زين :: معناه گاع إنّو نعمَ
السكر و الورگه لثنين :: ماهم فيه ؤ لا فيه المَ

و كان له صديق يمتلك سيارة اشتراها من ثمن الاسعافات خاصة (ازرع) فقال له:
يَلّي طبْعَكْ ظريفْ :: ؤ يَلّي متْعَدَّلْ كنْـتْ
وَتَّكْ لاجَ لخْريـفْ :: غَمْبَرها لا تَنْبتْ

ولم يكن صديقه محمدن يأكل الشركاش ولم يكن يستعمل دهن "كندي" فقال نافع مداعبا:
محمدن بعد أفگراش :: وسو لمّه تعلمْ بيهَ
غير امحالِ فيه إشركاش ::  والدسمَه ما يِيدم بيهَ

ويقول ذات غزو لنوع جديد من الذباب:
طارِ ذنبان إبان :: امْشَبْشب و ابعرفُ
ماهُ كيف الذنبان :: إلكنّ نعرفُ

ويقول ذات ارتفاع لأسعار النقل:
ثَقْــلَ حَدْ الصبح امْسَافــرْ :: فأربعْ مشكلاتْ احْـميَّ
مُغْدَاجْ ؤفَتْـرانْ ؤدَافـرْ :: وابّاصْ اخمصطعشر مِيّ

وكان على علو كعبه في لغن ذواقة ناقدا ومن جميل تعليقاته قوله معلقا على قول  ولد المبارك ول يمين:
ولّ كان افحومت لجواد :: عامر من لمساح أو لبطاح
عاد اتبطو لرياح أوعاد :: بولرياح اتبطو لرياح
 يقول: ذاك عاد العقوق (بولرياح اتبطو لرياح)

ذات رحلة مررتُ عليه مع صديق لي وقد أوقد نارا على تخوم المذرذرة تصاعد دخانها فقال صديقي يداعبه:
ياموقد النار لاعذبت بالنار..
فابتسم ولم يعلق..

أما لحلو ولد ييين فكان فكها سريع البديهة وكان نديم الأمير احبيب ولد أحمد سالم ، وكان حميميا معه وثمة كلمة كان لحلو يقولها للأمير لايجرؤ غيره على قولها له.
وذات زيارة لوفد من البرانيين نبهه الأمير أن المقام لايسمح فامتثل لحلو.
وبينما الأمير احبيب يلقي كلمة ترحيبية بالوفد ناداه لحلو: الأمير احبيب ..
فنظره احبيب شزرا فقال لحلو: ذاك بعد ابلده.

ونادته الفنانة النعمة منت اشويخ ذات مرة: لحلو هاهْ
فأجابها: لحلو ألا...

وكان للفنان محمد عبد الرحمن ولد انگذي غيبات قد تطول ، وذات غيبة برّكت عليه زوجه الفنانة عيشه منت محمد اعلي شورا فمر عليها محمد ولد أبنو ولد احميدن فقالت له آن برّكت شور اجديد اعلَ حمَّ واندورك تكشيه ل ابگاف وهو "لمچگري بُعين امتينَ" فقال لها:
ما گط افْسالفِ الدهرِ :: يعيشَ سمعو وذنينَ
ءُ لاشافُ كيفتْ لمچگري :: بعين امتينَ ، عَينينَ

ومن جيد گيفان هذا الشوار گاف بابَ ول هدار للنعمه منت اشويخ:
معناهَ عن ذا امن الشعّار :: لمچگري بوعين امتينَ
كان إغنّيها فالتحرار :: ألا كان اخزّي بينَ

وذات تنقل بين نجع السمحة في سهوة أبوظبي ونجع الطَّفْ على تخوم دبي، ضاقت على الفتى حمداً وجوه مذاهبه فقال:
مانِ فالسمحَه مُخَلّ :: ننشافْ اعلَ حالَ زينَ
ويلَ گستْ الطَّفْ امّلي :: ( ويلٌ للمطففينَ)

كامل الحموضة

الاثنين، 14 أكتوبر 2019

البيطورة اليدالي



هو البيطورة والبيتوره بالتاء والطاء لكن الطاء أشهر، ويعرف أيضا بـ " إبّا مختار" بن محمد بن عبد الله بن عمر اليدالي لأبيه محمد بن عبد الله ،  وأمه حسنة بنت محمذن بن ألما  "ألما العربي" بن المصطفي بن محم سعيد ، نجلته وأخوته الكرام أبناء حسنة:
تِركتْ حسنَه مافيهَ عيبْ  :: ذيك الناس اشهودْ اعليه
البهجَة معلوم افْ لگريب :: ؤريّس لين امش بيه
والبيتوره عالم واديب :: تبغيه الناس ويبغيه

ولد البيتورة سنة 1220هـ / 1805 م عند بئر المنار، حفظ القرءان وهو ابن سبع ودرس مبادئ الشريعة والنحو على ذويه، وأخذ عن شيوخ عصره.
درس العقيدة والتفسير والفقه على العلامة محمذن فال ولد متالي وأخذ عنه بعض مبادئ الطب والتصوف واختُلِف هل أخذ عنه الطريقة الشاذلية أم لا.
كما درس فترة من الزمن على العلامة محنض باب ولد اعبيد أخذ عنه خلالها جملة من العلوم.

وكان البيطورة مشاركا في علوم المنقول والمعقول ومن أبرز مشائخ التربية والسلوك، أخذ أوراد الطريقة التيجانية إجازة وتقديما عن العلامة الجليل أبي السعود سيدي مولود فال الموسوي اليعقوبي، وكان صاحب سره ومؤدب أبنائه، ولقن البيطورة أوراد هذه الطريقة لبعض فضلاء عصره من أمثال بگي بن سيد بن حرمه الفاضلي وببكر ولد محمذن ولد احجاب الفاضلي،  وله في التوسل بشيخه مولود فال:
يلّ كرمكْ مگط زال :: يامجيبَ المنادي
بركتْ شيخي مولود فال :: يعملْ يوفَ مرادي
فلّ نبغِ من شي احلال :: سمعُ يوجعْ حسادي
وارفع درجتْ فاجميع حالْ :: إعلَ لولادْ أولادي

وكانت للبيطورة علاقة خاصة بشيخه مولود فال وأعطاه من أسرار الطريقة مالم يعط غيره، وكانت له علاقة بفضلاء عصره من أمثال محمذن ولد أحمد للعاقل الأبهمي والعلامة محمد فال ولد باب ولد أحمد بيب العلوي "اباه" الذي كان له عليه ممر وهو في طريقه إلى الحج.
كما كانت له علاقة بأمراء عصره خاصة الأمير اعل ولد محمد لحبيب، وكان مهيبا رزق القبول والعظمة في القلوب، وذات غارة لجيش تابع للأمير إعل ولد محمد الحبيب على أسراح في إيگيدي نهب الجيش فيما نهب حلائب لابن عم البيطورة سيدي الفالي بن باني " بَبّـاه "و كان مـن حملـة القـرآن ومـن أطبـاء بنـي ديـمـان، فقصد البيطورة الأمير اعل ولد محمد لحبيب لاسترداد المنهوب، وحين رآه اعل قادما وهو الذي لا يتعتّب أبواب الأمراء، قال لأحد أعوانه انظر مالذي أتى بالبيطورة؟!
وحين أخبروه أنه جاء في أمر إبل نهبت من الحي، أمر برد جميع المنهوب إكراما للبيطورة وطلب منه أن يؤذن له في خيمته.
وذات مرة سئل الأمير اعل هل تحب أن تكون مرابطا؟
فقال: لا ، إلا إذا كنت سأكون مثل البيطورة.
وكان البيطورة لورعه لاينكر نسبه الشريف لكنه قال لبنيه "لانريد مكانة الشرف في الدنيا بل في الآخرة"ويروى مثل ذلك عن ابن عمه بَبّاه بن باني.
كان البيطورة طويل القامة جميل المحيا وسيما، وعرف بالحلم وكمال العقل، اشتهر بكراماته الكثيرة وخوارقه العجيبة.
واقترن اسم البيطورة بالجود، وذاع صيته بالكرم وبه عرف في كل مكان وصله ذكره وتركه شنشنة معروفة باقية في عقبه "آل ابّا مختار" تحركت بها السنة الشعراء وجادت بها قرائحهم.

قال عنه العلامة المؤرخ المختار ولد حامد في حياة موريتانيا الجزء الخامس عشر (إيدوداي):
"كان لايترك الطهارة في صحة ولا مرض ، كثير الجلوس في المسجد ، كثير الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا كثر اللغط في المسجد يسد أذنيه لئلا يسمع حراما ويخرج من المسجد.
ومن ورعه أنه أعاد صلاته وصومه زمن حداثته ، وكان يقول للمختار بن بوبوه وكان محقا: إذا رابك مني شيء في الدين فأعلمني به.
وقال فيه محمد فال بن محمذن بن أحمد بن العاقل "ببّها": إنه وقي شح نفسه.
ومن كرمه أنه أعطى رجلا شيئا فقيل له إنه لايستحق ما أعطيته ، فقال: خطأ العطاء خير من صواب الإمساك.
ومنح رجلا ناقة ثم وجد أخاه البهجة يسقيها فقال له لاتسقها فإن في ذلك مناً
وكان ينظر إلى الناقة الجميلة ويقول: ما أحوجني إليها في الآخرة فيتصدق بها"

ويقول عنه العلامة الجليل مختارات بن محمذن بن محمد فال بن عبدي:
" كان البيطورة رجلا فاضلا لايترك الطهارة في صحة ولا مرض، عالما يتلو القرءان آناء الليل وأطراف النهار، وليا مشاركا في فنون العلم من قرءان وحديث وعقيدة وفقه وسيرة وتصوف وغير ذلك، كثير العبادة، جوادا سمحا، يحب المساكين والفقراء والأيتام ويكرمهم ويجالسهم ولا يأنف منهم، وقد ضرب بصدقته المثل فقيل "أكثر من صدقة البيطورة" وكان كثير الصوم ويتصدق بفطوره غالبا وكان كثير الكرامات مجاب الدعوة مجرب زوره في كشف البلاء، وعرف بكثرة العبادة والصلاة ".

ويقول عنه العلامة الورع القاضي محمد سالم بن المختاربن المحبوبي:
فالعالم السنـيُ زيـن العابدين:: من فاق الأقران بعلـم وبدين
قد كـان وردُه مـن الصـلاة :: مائة ركعة عـن الثقاتِ

ومن كراماته انه ما أذّن قط إلا ورأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما يشير إليه العلامة الجليل أحمدو ولد التاه ولد حمينَ:
وإن يؤذن عاينَ النبيا :: صلى عليه ربه مرضيا

كان كثير القراءة للقرءان جيد الخط ينسخ المصاحف كثير الحفر للآبار، كثير الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكان زكي الرائحة ولم تكن العطور متوفرة حينها ويقال إن كثرة صلاته على النبي أكسبته "زين الريحه"، وكان ورعا يزن الأمور بميزان الشرع وإلى مكانته وانفاقه وعلمه وحلمه وكمال عقله يشير العلامة المحقق المختار ولد المحبوبي في تأريخه لوفاة ابنه ماهي بن البيطورة :
وعام "لام" ...
وموت ذي العلم صفيِّ الله :: حلفِ العلوم والتُّقاءِ ماهِ
سليل من قد فاقَ فى الآفاقِ :: بكثرة الإرفاق والإنفاقِ
على بني غبراء والأرامل :: والعلم والحلم وعقل كامل
أعني به العلامة البيطورا :: لازال من سحب الرضى ممطورا
من كان خلَّف لدى فَنائه :: بيتاً يلوحُ الخير من فِنائه
به بنون سادة أهل سخا :: وعرضهم لمّا يدنسهُ طخا

وعن كراماته يروي المختار ولد حامد في موسوعته عن العالم الجليل مختارات بن محمذن بن محمد فال بن عبدي كذلك:
ومن ذلك أنه كان مع ابنه محمد محمود في بيداء وعندهما بقية ماء في شنة فأراد محمد محمود أن يورد فرسا عنده خيفة أن تسقط حملها فقال له البيطوره صب لها بقية الشنة فقال إذن نعطش قال له صبلها
 فصب لها فشربته كله، فما برحا أن سقطت عليهما مزنة شربوا منها وسقوا دوابهم و ملؤوا أوعيتهم ولم تجاوز محلهم الذي كانوا فيه.

ويضيف العالم الجليل مختارات بن محمدذن بن محمد فال بن عبدي :
"وعن الثقة أنه لما توفي البيطورة كانت الليلة مدلهمة فيها رذاذ فلما حملوه أضاءت لهم كالنهار حتى فرغوا من دفنه.
وكانت وفاته عشية يوم الاثنين 20 صفر 1313هـ الموافق 12 اغسطس 1895م ، عن ثلاث وتسعين سنة ودفن في " انتوفكت".
وخلف البيطورة من زوجته امباركه بنت سيد أحمد بن ألمين من أولاد أشفغ حيبل أبناءه: محمد محمود ، وماهي ، والسيد ، ومولود فال الملقب"إمّوّ".
وبناته: ميمونة ، وأم الحسن ، وحاجة.

وقد أشار العلامة الفاضل ببكر ولد محمذن ولد احجاب في منظومته تحقيق الأستاذة خديجة بنت الحسن التي وصفت البيطورة بشيخ الناظم، يقول ابن احجاب:
وسشيج مات به البيطورا :: وأودع الأطلال منه النورا
والمستوي أنجاده والغورا :: وكل من كان به معمورا
غادره متوجا محبورا :: لايختشى تعطيله الدهورا

كامل الود

محمدن ولد حمديت



كتب عنه الأستاذ زايد بن ماء العينين​:
من أعلام تندغَ ورؤسائها والذؤابة منها محمدن بن حمديت اليحيوي ، فقد جمع إلى سلطته الدينية والأدبية عالما وشاعرا سلطة زمنية أفخر بأن جدي الدواه (علي بن محمد بوبه) هو من اكتشفها فيه ومحمدن مازال لم يطُرّ شاربه.

حبا الله محمدن " ادًّن " ملكة القيادة والزعامة والشجاعة والجراءة في اتخاذ القرار والصدع بالحق مع تماسك في القول واعتماد المنطق والعقل.

في جلسة لرؤساء القبائل (السيفات) بعد أن وضع الاستعمار سلطته وأقرها ، طلب المقيم الفرنسي في أبي تلميت من المجتمعين إقرار ضريبة لتمويل تمهيد طريق السيارات مابين لگوارب وأبي تلميت فاعترض محمدن من جماعة أهل الساحل بحجة أن الطريق لاتمر عليهم وليس من فائدة تعود عليهم منها فمن سيستفيد منها هو الذي عليه دفع تكاليفها.
فاجأ الأمر الحاكم الفرنسي كما فاجأ الحضور ومنهم عبد الله بن الشيخ سيديّ رحمة الله عليه وإن لم يتكلم ، فعلق أحد الوجهاء من الحضور قائلا: انصارَى لا يهز لهم الراس بالاعتراض وإنما بالقبول..
فرد عليه محمدن من أين لك هذ القول؟
فرد الوجيه: المتغلب تجب طاعته كما هو مدون في كُتب الفقه..
 فقال له محمدن: (ألّا ايل عادت اكتوبْ عظلتك) مشيرا إلى جزء من نسبه لا رسوخ له في العلم.
وصدر قرار بتخفيض الضريبة بقدر ما اقترح محمدن رحمة الله عليه.

أرسل له الأمير أحمد بن الديد رحمة الله عليه بأنه غاضب عليه لسعيه في سجن أحد أبناء عمومته.
فرد محمدن علي الرسول: قل للأمير أحمد بن الديد إن كان أميرا لعامة الناس في هذ الجانب من أرض المسلمين ففلان ظلمني وانتقمت منه والواجب يقتضي أنني وهو سيان عند الأمير إن كان أميرا لنا الاثنين وواجبه نصرة المظلوم منا على الظالم.
أما إن كان غير ذلك ويعتبر فلانا ابن عمه وأنا لست كذلك ، فليس من حق الأمير تِكبارْ الكرشْ فيّ.

مارس زعامة القبيل دون أن يسلك ماتم تعوده من بعض الزعماء من التملق والتجسس.
ما زلت أذكر ذلك الرجل الطويل المهيب الابيض الناصع البياض الكثير الهينمة بتلاوة القرءان ، وعندما يقبل علي جمع يتبادرون لا ستقباله وبتحلقون حوله فمنهم الممازح له ، او المستثير له ليحصل منه علي أحد أجوبته المفحمة ، ومنهم المستفتي ، ومنهم المستفسر عن غوامض اللغة أوالتاريخ او الأنساب ، ومنهم أنا الطفل الصغير الممازح لي بأن البقر نفد ولم يعد ارْبِكْ موجودا حتي يكون له أظهر.
كنت أرى نظرة الإكبار والإجلال والتقدير في وجوه المتحلقين حوله ، حتي كأن الفرزدق يعنيه ويعنيهم بقوله:
تري الغر الجحاجح من قريش :: اذا مالدهر ذو الحدثان مالا
قياما ينظرون الي سعيد :: كانهم يَرَوْن به هلالا

وقف ضد المرشح البرلماني للفرنسيين ، وتحمل وقومه مضار ذلك وقال طلعته الشهيرة :
اشبه يُداوَ ذلّ بين
لعلبْ والطلبَ من شِ شين..

كان يسعي في الأمر العام ويترك أمور أسرته الخاصة وكان كثير قيام الليل حتي قال أحد المعارضين عنه عندما فاز علي قبيله من حقهم أن يفوزوا ، القائم بأمرهم يبيت قائم الليل ، أما صاحبنا فيُدَيّك صلاة الفرض.

/
 
*أضيف لما كتب الأخ زايد المسلمين وفيما كتب بلاغ وكفاية:

في الاستفتاء الشهير "ويْ ونون - Oui ou Non" الذي أجري في 26 سبتمبر 1958 للاختيار بين بقاء الاستعمار والاستقلال، كان الحكام ومن والاهم من "السيوف - les chefs" يدعون الناس للتصويت بنعم ويمارسون سياسة "الجزرة والعصا - la carotte et le bâton " داعين للتصويت بنعم التي هي بقاء المستعمر.
قام العلامة محمدن ولد حمديت ، الذي كان معارضا ناضجا ومسؤولا في كل مواقفه وجمع المجموعات التي يترأسها في المكان المسمي "تنويش" قرب العاصمة علي مرأي ومسمع من الحاكم الفرنسي في انواكشوط "بيلا" وأعطي تعليماته بالتصويت بـ "لا" فاستجيب له بالإجماع وقد وجدت تسع مئين في صندوقه من "لا" ولم يوجد من "نعم" إلاخمس ورقات قيل إنها هي عدد المشرفين على المكتب.
بل قال "لا" وهو يدري أنها عَنتٌ :: ومِحنة ٌ قلّ فينا من يُواثبُها

سُرّ العالم الجليل محمد عبدالرحمن بن أمغر اليحيوي التندغي، بذلك لأنه كان من العلماء الذين يرون حرمة التصويت بنعم فقال:
طريق المجد نسلكها جهارا :: ولاخوف ولاطمع يكونُ
وإن خان (السيوف)غداة رمي :: فليس الدهر صاحبنا يخونُ

ذات سمر كان محمدن ضيفا على العلامة القاضي محمذن بن محمد فال “أميي علما” ، فأراد القوم مداعبته لما يعلمون من سرعة بديهته وجوابه الحاضر المنساب عفو الخاطر ، فقدم رسول من عند امرأة يقول إن بقرتها لم تستطع حلبها على غير العادة فماذا تفعل؟
نظر اميي إلى محمدن فهوعليم بأدواء البقر ومن قوم هم بنو لُهْبِ البقر
خبيرٌ بنو لهب، فلا تكُ ملغيا :: مقالةَ لهبيٍ إذا الطيرُ مرّتِ
فهم محمدن نظرة القاضي وكان علاج هذه الحالة هو (النفخ) ، فقال محمدن على البديهة: ظاهرلي عن حد اعطاها صابونَه ولّ ثنتين من (إكْضَيمْ) إدور يوغد عنها ذاك.
ضحك القوم وعلموا أن محمدن مافيه اطريگ الناس كانت بظان.

كان محمدن سلس السبك للشعر الفصيح و الحساني ولاتمر نازلة دون أن يسجلها بمنظوم طريف وواضح.
ذات آمسگري كان محمدن في مجلس مع أحد أصدقائه ولِداته ، وكان هذ الصديق قد خطب قبل ذلك فتاة "فرَدّه" أهلها لأنه مسن (شيباني).
وبينما الصديقان الأديبان يتبادلان أطراف الحديث إذ مر بهما شخص وقال إن فلانا الفلاني "ارتد" عن الإسلام في خطاب له خلال مظاهرة الكادحين! وكان هذا الكادح "المرتد" شابا في العشرينات من عمره إلا أن رأسه قد غزاه الشيب قبل الأوان.
فربط الأديب بن حمديت بين الواقعتين:
ثقلة هذا الشّيبْ إلِّ عيب :: واهلو من گدّو يرتدّوا
وأنا شيباني واهل الشيب :: نعوذُ باللهْ ارْتَدّو

وله گاف بوعمران السائر:
يا الناس اجويمعْ ليمانْ :: وكلْ يَمِين اعليَّ بيه
ما اتمْ ادليلِ منهان :: ما اندخلتْ خَيمتْ يحظيه

وكان من عادته أن يجلب معه كل موسم تاسفره من المؤونة لشيخه العلامة يحظيه ولد عبد الودود (اباه) ، وفي أحد المواسم خانته ذات اليد فجاء بهذه الطلعة معتذرا لشيخه:
ﻳَﻞِّ ﻣﺎگطْ ﺍﻣﻨﺎﺩﻡْ ﺷَﺎﺩْ :: ﻓﺎﻟﺪّنيَ ﺑاعنادَﻙْ ﻣﺎ ﻋَﺎﺩْ
ﺍﻟﺘَّﺤﺖْ ؤُﻻ گط أﻭﺧَﺮْ ﺳَﺎﺩ :: ﻣﺎﻩُ ﺟﺎﻳِﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﺟِﻴﻪَ
ﻓﻴﻪَ ﻋِﺖْ ﺍﻧﺖَ ﻭﺍلَّ ﺯﺍﺩ:: ﺍگرﻳّﺐْ ﻣﻦ ﺟِﻴﻪَ ﻓِﻴﻪَ
ﻳَﻤﺎﻟﻚْ ﻳﻨﺎﻓﻊْ ﻟﺒﻼﺩِ :: ﺍﺑﺸَﺮﻗِﻴﻪَ ﻭﺍﺑْﻐَﺮﺑِﻴﻪَ
يَ ﺴِﻴﺒَﻮَيْهِيهَ ﺭَﻓّﺎﺩ :: ﺛِگلتْهَ ﻳَﺠﻨﻴﺪﻳﻪَ
يَ حاﺗﻢ طيّئْهَ ﺷﻴّﺎﺩْ :: ﺍﻋﺪﻭﻩَ يَ ﺠَﻴَﺎﻟِﻴﻪَ
ﻳﺎﺑﻦَ مُقلَتِيهَ ﻓﻲ ﺟَﺎﺩْ :: ﺍﻟﺨَﻂْ ؤُ يَ ﺴَﺤﺒَﺎﻧِﻴﻪَ
فامْرْ الفصاحَ، ولّ زاد :: فاخبارْ الزهد ادهَمِيه
ﻳﻮﻓﻴﻠﻚْ يَ اﺑّﺎﻩْ ﺍﻟﻤُﺮﺍﺩْ :: ﻭَﻳﻪْ ﺍﻟﻤِﻨﻲَ ﻟﻚ ﻳُﻮﻓِﻴﻪَ
ﺁﻥَ ﺟَﻴﺖ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﺑْﻼَ ﺯﺍﺩ :: ﻣِﺤﺮَﺍگ ﺍﻟﺮﺷﻮَ ﻧِﺒﻐِﻴﻪَ
ﻭﺍﺑْﻼَ ﻫَﺪِﻱَّ ﻓاﻤْﺠِﻲَّ :: ﺧﺎﻁِ ﺫِﻱ ﺍﻟﻄﻠﻌَﻪ ﻧِﻬﺪِﻳﻪَ
ﻭﺍﺑّﺎﻩْ ﺍﻟﻴﻮﻡْ ﺍﻟﻬَﺪِﻱَّ :: ﻋﻠﻲ ﻣﻘﺪﺍﺭِ ﻣُﻬﺪِﻳِﻪَ

ويقول محمدن في رثاء شيخه العلامة يحظيه (اباه):
شجيتُ وما شجيتُ على الشباب :: وقد ولى، ولا دمنِ الرباب
فما ذكرُ المغاني والغواني :: شجاني لا، ولا وَخدُ الركاب
ولكني شجيتُ لفقد قطبٍ :: بمدفنِه عَلَت ذاتُ الكعاب

كامل الود

  / ومن باب المداعبة، والشيء بالشيء يذكر كان الشريف عبد القادر رجلا صالحا، وكان يفرض على الناس (فِفتنًا) يهدونه له، والفِفتن قطعة نقدية كانت...