محمدن ولد حمديت
كتب عنه الأستاذ زايد بن ماء العينين:
من أعلام تندغَ ورؤسائها والذؤابة منها محمدن بن حمديت اليحيوي ، فقد جمع إلى سلطته الدينية والأدبية عالما وشاعرا سلطة زمنية أفخر بأن جدي الدواه (علي بن محمد بوبه) هو من اكتشفها فيه ومحمدن مازال لم يطُرّ شاربه.
حبا الله محمدن " ادًّن " ملكة القيادة والزعامة والشجاعة والجراءة في اتخاذ القرار والصدع بالحق مع تماسك في القول واعتماد المنطق والعقل.
في جلسة لرؤساء القبائل (السيفات) بعد أن وضع الاستعمار سلطته وأقرها ، طلب المقيم الفرنسي في أبي تلميت من المجتمعين إقرار ضريبة لتمويل تمهيد طريق السيارات مابين لگوارب وأبي تلميت فاعترض محمدن من جماعة أهل الساحل بحجة أن الطريق لاتمر عليهم وليس من فائدة تعود عليهم منها فمن سيستفيد منها هو الذي عليه دفع تكاليفها.
فاجأ الأمر الحاكم الفرنسي كما فاجأ الحضور ومنهم عبد الله بن الشيخ سيديّ رحمة الله عليه وإن لم يتكلم ، فعلق أحد الوجهاء من الحضور قائلا: انصارَى لا يهز لهم الراس بالاعتراض وإنما بالقبول..
فرد عليه محمدن من أين لك هذ القول؟
فرد الوجيه: المتغلب تجب طاعته كما هو مدون في كُتب الفقه..
فقال له محمدن: (ألّا ايل عادت اكتوبْ عظلتك) مشيرا إلى جزء من نسبه لا رسوخ له في العلم.
وصدر قرار بتخفيض الضريبة بقدر ما اقترح محمدن رحمة الله عليه.
أرسل له الأمير أحمد بن الديد رحمة الله عليه بأنه غاضب عليه لسعيه في سجن أحد أبناء عمومته.
فرد محمدن علي الرسول: قل للأمير أحمد بن الديد إن كان أميرا لعامة الناس في هذ الجانب من أرض المسلمين ففلان ظلمني وانتقمت منه والواجب يقتضي أنني وهو سيان عند الأمير إن كان أميرا لنا الاثنين وواجبه نصرة المظلوم منا على الظالم.
أما إن كان غير ذلك ويعتبر فلانا ابن عمه وأنا لست كذلك ، فليس من حق الأمير تِكبارْ الكرشْ فيّ.
مارس زعامة القبيل دون أن يسلك ماتم تعوده من بعض الزعماء من التملق والتجسس.
ما زلت أذكر ذلك الرجل الطويل المهيب الابيض الناصع البياض الكثير الهينمة بتلاوة القرءان ، وعندما يقبل علي جمع يتبادرون لا ستقباله وبتحلقون حوله فمنهم الممازح له ، او المستثير له ليحصل منه علي أحد أجوبته المفحمة ، ومنهم المستفتي ، ومنهم المستفسر عن غوامض اللغة أوالتاريخ او الأنساب ، ومنهم أنا الطفل الصغير الممازح لي بأن البقر نفد ولم يعد ارْبِكْ موجودا حتي يكون له أظهر.
كنت أرى نظرة الإكبار والإجلال والتقدير في وجوه المتحلقين حوله ، حتي كأن الفرزدق يعنيه ويعنيهم بقوله:
تري الغر الجحاجح من قريش :: اذا مالدهر ذو الحدثان مالا
قياما ينظرون الي سعيد :: كانهم يَرَوْن به هلالا
وقف ضد المرشح البرلماني للفرنسيين ، وتحمل وقومه مضار ذلك وقال طلعته الشهيرة :
اشبه يُداوَ ذلّ بين
لعلبْ والطلبَ من شِ شين..
كان يسعي في الأمر العام ويترك أمور أسرته الخاصة وكان كثير قيام الليل حتي قال أحد المعارضين عنه عندما فاز علي قبيله من حقهم أن يفوزوا ، القائم بأمرهم يبيت قائم الليل ، أما صاحبنا فيُدَيّك صلاة الفرض.
/
*أضيف لما كتب الأخ زايد المسلمين وفيما كتب بلاغ وكفاية:
في الاستفتاء الشهير "ويْ ونون - Oui ou Non" الذي أجري في 26 سبتمبر 1958 للاختيار بين بقاء الاستعمار والاستقلال، كان الحكام ومن والاهم من "السيوف - les chefs" يدعون الناس للتصويت بنعم ويمارسون سياسة "الجزرة والعصا - la carotte et le bâton " داعين للتصويت بنعم التي هي بقاء المستعمر.
قام العلامة محمدن ولد حمديت ، الذي كان معارضا ناضجا ومسؤولا في كل مواقفه وجمع المجموعات التي يترأسها في المكان المسمي "تنويش" قرب العاصمة علي مرأي ومسمع من الحاكم الفرنسي في انواكشوط "بيلا" وأعطي تعليماته بالتصويت بـ "لا" فاستجيب له بالإجماع وقد وجدت تسع مئين في صندوقه من "لا" ولم يوجد من "نعم" إلاخمس ورقات قيل إنها هي عدد المشرفين على المكتب.
بل قال "لا" وهو يدري أنها عَنتٌ :: ومِحنة ٌ قلّ فينا من يُواثبُها
سُرّ العالم الجليل محمد عبدالرحمن بن أمغر اليحيوي التندغي، بذلك لأنه كان من العلماء الذين يرون حرمة التصويت بنعم فقال:
طريق المجد نسلكها جهارا :: ولاخوف ولاطمع يكونُ
وإن خان (السيوف)غداة رمي :: فليس الدهر صاحبنا يخونُ
ذات سمر كان محمدن ضيفا على العلامة القاضي محمذن بن محمد فال “أميي علما” ، فأراد القوم مداعبته لما يعلمون من سرعة بديهته وجوابه الحاضر المنساب عفو الخاطر ، فقدم رسول من عند امرأة يقول إن بقرتها لم تستطع حلبها على غير العادة فماذا تفعل؟
نظر اميي إلى محمدن فهوعليم بأدواء البقر ومن قوم هم بنو لُهْبِ البقر
خبيرٌ بنو لهب، فلا تكُ ملغيا :: مقالةَ لهبيٍ إذا الطيرُ مرّتِ
فهم محمدن نظرة القاضي وكان علاج هذه الحالة هو (النفخ) ، فقال محمدن على البديهة: ظاهرلي عن حد اعطاها صابونَه ولّ ثنتين من (إكْضَيمْ) إدور يوغد عنها ذاك.
ضحك القوم وعلموا أن محمدن مافيه اطريگ الناس كانت بظان.
كان محمدن سلس السبك للشعر الفصيح و الحساني ولاتمر نازلة دون أن يسجلها بمنظوم طريف وواضح.
ذات آمسگري كان محمدن في مجلس مع أحد أصدقائه ولِداته ، وكان هذ الصديق قد خطب قبل ذلك فتاة "فرَدّه" أهلها لأنه مسن (شيباني).
وبينما الصديقان الأديبان يتبادلان أطراف الحديث إذ مر بهما شخص وقال إن فلانا الفلاني "ارتد" عن الإسلام في خطاب له خلال مظاهرة الكادحين! وكان هذا الكادح "المرتد" شابا في العشرينات من عمره إلا أن رأسه قد غزاه الشيب قبل الأوان.
فربط الأديب بن حمديت بين الواقعتين:
ثقلة هذا الشّيبْ إلِّ عيب :: واهلو من گدّو يرتدّوا
وأنا شيباني واهل الشيب :: نعوذُ باللهْ ارْتَدّو
وله گاف بوعمران السائر:
يا الناس اجويمعْ ليمانْ :: وكلْ يَمِين اعليَّ بيه
ما اتمْ ادليلِ منهان :: ما اندخلتْ خَيمتْ يحظيه
وكان من عادته أن يجلب معه كل موسم تاسفره من المؤونة لشيخه العلامة يحظيه ولد عبد الودود (اباه) ، وفي أحد المواسم خانته ذات اليد فجاء بهذه الطلعة معتذرا لشيخه:
ﻳَﻞِّ ﻣﺎگطْ ﺍﻣﻨﺎﺩﻡْ ﺷَﺎﺩْ :: ﻓﺎﻟﺪّنيَ ﺑاعنادَﻙْ ﻣﺎ ﻋَﺎﺩْ
ﺍﻟﺘَّﺤﺖْ ؤُﻻ گط أﻭﺧَﺮْ ﺳَﺎﺩ :: ﻣﺎﻩُ ﺟﺎﻳِﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﺟِﻴﻪَ
ﻓﻴﻪَ ﻋِﺖْ ﺍﻧﺖَ ﻭﺍلَّ ﺯﺍﺩ:: ﺍگرﻳّﺐْ ﻣﻦ ﺟِﻴﻪَ ﻓِﻴﻪَ
ﻳَﻤﺎﻟﻚْ ﻳﻨﺎﻓﻊْ ﻟﺒﻼﺩِ :: ﺍﺑﺸَﺮﻗِﻴﻪَ ﻭﺍﺑْﻐَﺮﺑِﻴﻪَ
يَ ﺴِﻴﺒَﻮَيْهِيهَ ﺭَﻓّﺎﺩ :: ﺛِگلتْهَ ﻳَﺠﻨﻴﺪﻳﻪَ
يَ حاﺗﻢ طيّئْهَ ﺷﻴّﺎﺩْ :: ﺍﻋﺪﻭﻩَ يَ ﺠَﻴَﺎﻟِﻴﻪَ
ﻳﺎﺑﻦَ مُقلَتِيهَ ﻓﻲ ﺟَﺎﺩْ :: ﺍﻟﺨَﻂْ ؤُ يَ ﺴَﺤﺒَﺎﻧِﻴﻪَ
فامْرْ الفصاحَ، ولّ زاد :: فاخبارْ الزهد ادهَمِيه
ﻳﻮﻓﻴﻠﻚْ يَ اﺑّﺎﻩْ ﺍﻟﻤُﺮﺍﺩْ :: ﻭَﻳﻪْ ﺍﻟﻤِﻨﻲَ ﻟﻚ ﻳُﻮﻓِﻴﻪَ
ﺁﻥَ ﺟَﻴﺖ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﺑْﻼَ ﺯﺍﺩ :: ﻣِﺤﺮَﺍگ ﺍﻟﺮﺷﻮَ ﻧِﺒﻐِﻴﻪَ
ﻭﺍﺑْﻼَ ﻫَﺪِﻱَّ ﻓاﻤْﺠِﻲَّ :: ﺧﺎﻁِ ﺫِﻱ ﺍﻟﻄﻠﻌَﻪ ﻧِﻬﺪِﻳﻪَ
ﻭﺍﺑّﺎﻩْ ﺍﻟﻴﻮﻡْ ﺍﻟﻬَﺪِﻱَّ :: ﻋﻠﻲ ﻣﻘﺪﺍﺭِ ﻣُﻬﺪِﻳِﻪَ
ويقول محمدن في رثاء شيخه العلامة يحظيه (اباه):
شجيتُ وما شجيتُ على الشباب :: وقد ولى، ولا دمنِ الرباب
فما ذكرُ المغاني والغواني :: شجاني لا، ولا وَخدُ الركاب
ولكني شجيتُ لفقد قطبٍ :: بمدفنِه عَلَت ذاتُ الكعاب
كامل الود
ﺁﻥَ ﺟَﻴﺖ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﺑْﻼَ ﺯﺍﺩ :: ﻣِﺤﺮَﺍگ ﺍﻟﺮﺷﻮَ ﻧِﺒﻐِﻴﻪَ
ﻭﺍﺑْﻼَ ﻫَﺪِﻱَّ ﻓاﻤْﺠِﻲَّ :: ﺧﺎﻁِ ﺫِﻱ ﺍﻟﻄﻠﻌَﻪ ﻧِﻬﺪِﻳﻪَ
ﻭﺍﺑّﺎﻩْ ﺍﻟﻴﻮﻡْ ﺍﻟﻬَﺪِﻱَّ :: ﻋﻠﻲ ﻣﻘﺪﺍﺭِ ﻣُﻬﺪِﻳِﻪَ
ويقول محمدن في رثاء شيخه العلامة يحظيه (اباه):
شجيتُ وما شجيتُ على الشباب :: وقد ولى، ولا دمنِ الرباب
فما ذكرُ المغاني والغواني :: شجاني لا، ولا وَخدُ الركاب
ولكني شجيتُ لفقد قطبٍ :: بمدفنِه عَلَت ذاتُ الكعاب
كامل الود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق