الثلاثاء، 27 فبراير 2024

 محمد وصيدو
موعد في المهجر




ذات جلسة حدّث صديق خالي قال:
في نهاية السبعينيات منحت إلى كندا.
مونتريال الساحرة مدينة تأسر اللُّب بموقعها الفريد، حيث تنام في أحضان نهر سان لوران.
مونتريال مدينة مليئة بالحركة والضوء، بمبانيها الشاهقة المقامة على سلسلة مرتفعة، تنحدر غرباً من الضفاف التابعة لنهر سان لوران، متّجهةً إلى جبل مونت رويال، الذي أخذت منه المدينة اسمها، وفيها يلتقى النهران، نهر أوتاوا، ونهر سان لوران.

رغم سحرها الأخاذ وضوضائها الغامرة، كانت مونتريال قاسية عليّ، يقول محمد، لم أعرف المدن الهادرة التي لاتنام، ليلها كنهارها.
لم ترق لي أنا القادم وحيدا من مدائن الملح والريح، أكلتني الوحدة واستهلكني الروتين القاتل دائرا بين المدرّج والمكتبة والمطعم والغرفة.

كنت الموريتاني الوحيد في الجامعة، لم يكن الاتصال متوفرا وحسب المرء من الأخبار أن تأتيه عبر البريد البطيء رسالة كل ثلاثة أو أربعة أشهر تفيده بما طرأ، ويكون فرحه عارما إن جاءه شريط مسجّل من الأهل.

كانت الأشرطة التي جلبها محمد معه من المنتبذ القصي، ترياقة كلما أكلته الوحدة واستبد به الحنين، فكان يراوح بين النعمة وسيداتي وول عوّه وأشرطة تعليم أژوان بما تحمله من قصص.

شاب موريتاني من البولار يسمى "صيدو" حط في جامعة محمد، كان حاله كحاله وحيدا من الخلان في تلك المدينة.
"صيدو" وفي ليلة من ليالي الأرق كان يتجول بين غرف الطلاب في السكن الجامعي، وخُيّل إليه أنه يسمع موسيقي موريتانية !!
اقترب من الغرفة وأصاخ كانت النعمة بنت اشويخ تشدو..
مكث برهة يستمع.. كذب أذنيه واستعاذ بالله من شر الجان والشياطين وعاد لغرفته.

في الليلة الثانية مر في ذات التوقيت واسترق السمع كان ول عوّه يشدو فخفق قلبه.. ياللهول ما أشد رهبة هؤلاء الشياطين الذين يمتلكون القدرة على تقليد صياح البظان في بقعة بينها وبين أرض البظان بحر الظلمات المتلاطم، قالها في نفسه وهو يفرك أذنيه ويقرأ آية الكرسي عائدا إلى غرفته.

في الليلة الثالثة استجمع قواه وهو يقول إن ماسمعه كان حقيقة وأنه لابد أن يتشجع ويعرف الحقيقة.
مر في ذات الوقت كان الصوت خافتا لكنه التصق بالباب أكثر، كان سيداتي يترنم بصوته الجميل..
قال صيدو هذه موسيقى موريتانية أصيلة وهذا الصوت أعرفه في الراديو في ليالي السمر الجميلة في ترف الأزمنة الهادئة في الوطن.

روّى قليلا ثم أحجم برهة، ثم لم يتمالك أن طرق الباب..
سكت صوت المسجل داخل الغرفة.
لقد ظن محمد أن الطارق أحد جيرانه أزعجه الصوت فأسكت المسجل.
بعد دقائق طرق صيدو الباب ثانية.
لم يتحرك محمد فهو لا ينتظر طارقا في هذا الوقت من الليل، ولا علاقة له بأحد من طلاب الجامعة تسمح له أن يدق عليه الباب في هذه الساعة !

بعد برهة طرق صيدو الباب ثالثة وصرخ: تَبّاتٌو فَتَحْ گصّرْ عمرك..

ما إن سمع محمد تلك العبارة حتى وثب قلبه وطار نحو الباب ليفتحه..
فتح الباب محتضنا صيدو كأنه يعانق أباه وظلا ملتحمين والدموع سوافح..

يقول محمد: كان صيدو هدية القدر فقد أضاء وجوده ليالي مونتريال وسكب الدفء على صقيع أيامها.

ومن طريف أمر صيدو أن لسانه انطلق بالحسانية وقد أقسم لمحمد أنه لم يكن يعرف أنه يعرفها، وكأنّ حاجزا وهميا كان يحول بينه وبينها تلاشى في ثوان، وكأن عقله كان يستبطنها يشمها ولا يفركها.

يقول محمد: اكتشفت أنا أيضا أنني أعرف كلمات من البولارية وأنها ليست محرمة على طاعم يطعمها، كان حديثي مع صيدو يراوح بين الحسانية والبولارية.

كان شاينا الأخضر الذي نعده أمة وسطا ليس بالغامق كشاي قوم صيدو وليس بالخفيف كشاي قومي.
أصبح صيدو "موسًا" على التيشطار، وأصبت أنا آكل "گورَه"

في أشرطة الأهل المسجلة كان أهلي يبدأون بالسلام على صيدو، وكانت الأشرطة القادمة من مقاطعة مقامه بولاية گورگل حيث أهل صيدو، يسلمون عليّ بالحسانية وكانت أمه أبيظن من تيدنيت ولد ابّيبُو.

كانت تأتينا الهدايا من الأهل، ومرة بعثت لي أم صيدو قبعة من السعف مدورة لتقينى حر الشمس، وغاب عنها أننا في بلد تموت من البرد حيتانه.

جمعتني مع صيدو علاقة أخوة عز نظيرها يقول محمد، في العطلة كان يذهب معي إلى لخيام، وكنت أذهب معه إلى مقامه، واكتشفت أنه قلّ أحد من أهله الطيبين لا يعرف الحسانية.

حمّالو الحطب ممن يسمون مجازا بالساسة، يستغلون بعض الاختلافات التي هي مصدر غِنًى، لتحويلها إلى خلافات لإيقاد نار الطائفية والفتة.

آخية الإسلام وآصرة الوطن أقوى من نوازعنا، نحن من خلق وهم الآخر والغير نحن أمة واحدة.

في الغربة اكتشف محمد أنه صيدو، واكتشف صيدو أن محمد ليس الآخر أو الغير بل هو صيدو ذاته.
تلك كانت خلاصة علاقة محمد وصيدو.

كامل الود

 لقاء




في ثمانينيات القرن الماضي ، كان مفوض شرطة سامٍ يزور من حين لآخر منزل صديق له في الحي ف (ILOT V) بالعاصمة.

كان صاحب المنزل خلاسيا من أهل المجرية، وأم الأسرة موّلدة من أهل شمامة.

فكانت الأسرة العصرية (متيس) تجمع بين لكور والبظان، ومتشربة بثقافة فرانكفونية واسعة.

كان المفوض السامي يمر عصرا على الأسرة التي كان أبوها يعمل بالخطوط الجوية الإفريقية فكان يجلب المجلات والجرائد الفرنسية للمنزل.

وكان من الطقوس التي يكرم به الرجل ضيفه المفوض أن يأمر بوضع طاولة مع مقعد مريح في حديقة المنزل الواسع ، وهي حديقة مكسوة بالعشب الأخضر ومزروعة بالأشجار الصغيرة وتعبق بشذى الورود والأزهار غِبّ رشها بالماء.

توضع الجرائد والمجلات على الطولة مع كأس من العصير وقنينة ماء ، فيجلس المفوض يقرأ الجرائد ويقلب الصحف بعد العصر في ذلك الجو المنعش الهادئ الجميل لايقطع صمته إلا صوت زقزقة العصافير أو مرور سيارة في الخارج من حين لآخر.

ذات زيارة وجد المفوض -على غير العادة- رجلا أسمر طويل القامة يُرى عليه أثر السفر ويلبس دراعة قديمة ويضع عمامة زرقاء على رأسه ويمد رجليه تحت الطاولة وبين يديه جريدة وهو مستغرق في القراءة!.

سلم عليه المفوض فرد عليه السلام بأدب جم ، وأرجع بصره للجريدة..
جلس المفوض على مقعد بجانبه وتناول جريدة.

كان المفوض ينظر إليه .. منظره لايوحي بأنه من أهل الثقافة لكنه يقلب الجريدة كقارئ مهتم!.

وبعد فترة قال المفوض في نفسه لابأس أن أتسلى قليلا بهذا الرجل القادم من الأعماق على ما يبدو.

(حنحنَ) المفوض ثم سأل الرجل بأسلوب استنكاري لايخلو من تهكم:
انتومَ گط اگريتو اشويْ بويَ ؟
رد الرجل بهدوء وأدب: أهيه اشوي ماهُ شِ اكبير

فقال المفوض بذات الأسلوب المتهكم: اشويْ ذيك شنهي؟ سَبَّ انيبَّ مثلا؟!
قال الرجل بأدب جم: گط اگريتْ هون واگريت املي اشويْ في مصر.

قال المفوض وقد علاه الجد: مصر؟!
قال الرجل: گط اعطَ الرئيس المختار ولد داداه منحة للوالد ومشّاني فيها شور مصر.

سأل المفوض وهو يبتلع ريقه: الوالد منهو؟
قال الرجل: الوالد عبد الرحمن
قال المفوض: وانتومَ أسمكم

رد الرجل: آن ينگالي النِّيهَ

صرخ المفوض: وخيرت وخيرت وخيرت...
انتومَ النيهَ ولد الأمير عبد الرحمن (الدان) ولد اسويد أحمد وخيرت وخيرت..

قال الرجل بذات الهدوء والأدب الجم: حتّ زاد.. وخيرت بيكم انتوم..
وواصل قراءة جريدته..

ران صمت ثقيل وحاول المفوض التماسك باحثا عن رجليه ثم وقف وانسحب بهدوء (يوطَ ما يوطَ) لا تحمله رجلاه ..
وما إن خرج من المنزل حتى انطلق بسيارته بسرعة جنونية لايلوي على شيء.

كامل الخلعة

 (تيشيت العالمة)




إذا كان الأستاذ الأديب المؤرخ محمد المختار السوسي رحمه الله، قد كتب كتابه البديع (سوس العالمة)، فإنه حري بنا في المنتبذ القصي أن نكتب عن حاضرتنا (تيشيت العالمة)، وذلك ما نبهت عليه الباحث الأكاديمي والأستاذ الجامعي حماه الله ميابى فهو ابن بجدتها وجذيلها المحكك، وقد أمدني مشكورا بمعلومات نفيسة عن المدينة وأعلامها.

يقول عالم الآثار الفرنسي الشهير تيودور مونو:

" إن تيشيت مليئة بدواعي الاهتمام ويتمنى المرء ان يمكث فيها طويلا، ويشاهد أكثر مما يشاهده المسافر المستعجل"

ويذكر الدكتور جمال ولد الحسن في مقدمة تحقيقه لكتاب "ضالة الأديب" للعلامة سيدي عبد الله بن سيدي محمد بن محمد الصغير بن انبوجه العلوي التيشيتي: "إن مدينة تيشيت تقع في الجنوب الشرقي من البلاد على بعد حوالي 250 كلم إلى الشرق من مدينة تجگجة، عاصمة ولاية تگانت.
وكانت منذ تأسيسها أحد أبرز المراكز الثقافية والتجارية في بلاد شنقيط ويعزى تأسيسها إلى الشريف عبد المؤمن بن صالح أحد تلامذة القاضي عياض، وذلك في القرن 6هـ / 12م.

وقال محمد بن أحمد الصغير في إنارة المبهم: وجاء عبد المؤمن إلى وادان مع الحاج عثمان جد بعض إيدو الحاج وكانا قرآ على القاضي عياض، فنزلا تیشيت فعزم عبد المؤمن على البناء بها، وكان موضعها أكماً مرتفعاً بجانبه جبل عظيم على جهة الشمال على بعد فرسخ، وعلى اليمين على أربعة أميال معدن ملح لا نظير له في المعمورة، وعن جوانبه معادن الحجارة والطين. وكان كثير المياه لإصلاح النخل، وكان السكان يوم أهل أخصاص على قدر فرسخ في جهة الجنوب من موضع القرية، فندبهم عبد المؤمن للبناء فلم يساعدوه، فارتحل إلى موضع القرية واستصحب معه بنائين وآلات، فبني المسجد وداره وذلك في أول القرن السادس زمن بناء وادان.

كانت المنطقة آهلة يومئذ، واتخذ منها الشريف عبد المؤمن منطلقا للدعوة إلى الدين والمعرفة ،فأضحت بحكم موقعها ميناء صحراويا بين واحة غنية بالمياه ومنارة دينية ومعرفية، فجعلتها تلك الحيوية والحراك الدائب والاختلاط بين الأجناس والأعراق محلا تناغمت فيه ألوان الثقافات المختلفة ووجد التعبير عنه في الأدب والفن المعماري واللهجات المختلفة والفولوكلور والموسيقى والطرز والصناعات التقليدية المختلفة.

ويشكل ظهر تيشيت حدود منخفض الحوض الشرقي، وتاريخ الوجود البشري فيه ضارب في القدم حيث يعود إلى نهاية العصر الحجري حوالي 2000 سنه قبل الميلاد، عدة قر ى حجرية تعرف بآثار تيشيت على الجرف الحاف لتيشيت، وقد وجد بها علماء الآثار أدلة على أن أول ممارسة للزراعة في إفريقيا كانت هناك حيث كانوا يزرعون الدخن موسميا منذ 2000 سنه قبل الميلاد، كما توجد بها مئات من صور الفن الصخر ي التي تصور حيوانات ومشاهد صيد، وكتابا ت بلغات مختلفة.

أما اسم تيشيت فقد ظهر على الخرائط الكاتلونية سنة 1444م حسب رايمون مونيه كما ذكرها كرفاخال في القرن 16م. وقد ذكرها ليون الإفريقي حسن الوزان في القرن نفسه.

ورغم وجودها ضمن فضاء بدوي محكوم بغياب السلطة المركزية المسيطرة، عرفت تيشيت نظاما محليا وفر لها مستوى مقبولا من تنظيم القضايا الحياتية الضرورية مثل خطة القضاء، وشؤون الدين والتعليم، ونظام الأوقاف، ورحلة الحجيج السنوية، والتجارة الداخلية، ونظام القوافل، والمكوس والإتاوات والأسعار والمكاييل والأوزان وغير ذلك من ضرورات الحياة المختلفة.

ويعود كل الفضل في بلورة هوية تيشيت الحضارية إلى موقعها الاستراتيجي على طريق قوافل الصحراء؛ فقد كانت ميناء صحراويا تلتقي فيه خطوط تجارية متعددة متجهة إلى الجنوب ، وإلى الشمال، فكان ينطلق منها خط تجاري متجه إلى ولاته وتنبكتو وباغنه، وخط آخر متجه إلى زاره، وخط آخر متجه إلى أودغست وما إلى ناحيتها، وفي وقت لاحق استحدث خط آخر متجه شرقا إلى أروان وتوات وتمنطيت، وخط إلى سبخة إجل، وإلى الجنوب المغربي، وقد أكسب هذا الوضع أهل تيشيت خبرة تجارية متميزة فازدهرت مدينتهم ازدهارا كبيرا، وكثرت قوافل أهلها، وتحدث الناس عن عمارتها وضرب بها المثل.

وقد نقل عن العلامة سيد عبد الله بن الحاج إبراهيم قوله: (لكل إقليم مدينة ومدينة إقليمنا تيشيت)، وقال في صحيحة النقل: ( خرَجتْ يوماً من شنجيطَ رفقةٌ اثنانِ و ثلاثونَ ألفاً موقّرةً بالملحِ، عشرونَ لأهلهِ، و اثني عشرَ لأهلِ "تيشيتَ"، و باعت الرّفقةُ كلها في "زَارَ" فتعجّبَ النّاسُ أيّ البلدَينِ أعمرُ) ، ووثائق تيشيت وحكايات أكابرها شاهدة بهذا الازدهار وشاهدة بأهمية القوافل ودورها في تنمية المدينة، يقول الشيخ محمد بن أحمد الصغير: (تيشيت قرية لا تصلح إلا بالرفاق )، وجاء في إحدى رسائل جماعة أهل تيشيت إلى أحد أمراء السودان : (ومدينتهم هي قطب رحى هذه البلاد ، وإليها تنتهي غايات من حولها من العباد)

وقال الشيخ محمد بن انبوي ابن عشاي الصغير الماسني التيشيتي: ( .. فلا توجد في بلد غير بلدنا هذا الذي هو أعمر بلادنا بأنواع الخير).

ويقول الشيخ أحمد الصغير بن حمى الله التيشيتي في رسالة منه إلى الأمير أحمد لب الماسني: (وتيشيت التي هي مصر هذه البلاد .... لا مقام لأهلها إلا بالضرب في الأرض للابتغاء من فضل الله)

وقد يقول أحمد الأمين في كتاب الوسيط: (تيشيت مدينة مشهورة وأهلها أدرى من أهل تلك البلاد بالتجارة).

وجاء في بعض رسائل أهلها: (إن أهل تيشيت جعل الله تعالى أسباب رزقهم من قديم الزمان بالاختلاف على رسم التجارة إلى بلاد السودان).

هذه الديناميكية التجارية شكلت روافد ثقافية غنية ساهمت بشكل جلي في انفتاح المدينة على العالم وارتفع ذكرها في المنطقة فلقبت تارة بـ "مدينة الرفاق" إذ شكلت محطة هامة للتبادل التجاري بين القوافل المحملة بالذهب والملح وعاج الفيل وريش النعام والقواقع والتوابل والملابس، كما لقبت بب"تيشيت اللباس" نظرا لتطور صناعة الملابس والحلي بها فقد غدت علامة تجارية في الصحراء في مجال الحلي الذي يعرف ب"حاجة تيشيت "
هذا الوضع الاقتصادي المريح نسبيا أكسب تيشي ت مكانة كبرى كحاضرة للعلم ومنبرا للدعوة، فأنجبت كوكبة من الدعاة والفقهاء والمشاييخ كانت لهم مساهمتهم المعتبرة في بناء الصرح الثقافي في المنطقة، فتدفق إليها الناس من مختلف الأصقاع للارتواء من معين معارفها وكرست مكانتها المعرفية من خلال مورثها الكبيرة من المخطوطات النادرة، والتراث الغني.
تلك العوامل كلها جعلت تيشيت قلب الصحراء التجار ي والمعرفي النابض بالحركة والحياة إبان عصور ممتدة من العلاقات مع باقي مدن ومناطق ضفا ف الصحراء من مختلف الأصقاع، وظلت تحتفظ بطابعها الحضاري الإسلامي الإفريقي في تكيف مستمر مع الروافد الثقافية الوافدة إليها مما أثرى وميز تاريخها العريق بشكل لافت.

لقد فرضت العزلة الشديدة التي أطبقت على تيشيت بعد تحول المسالك التجارية العابرة للصحراء أن تعيش منغلقة على نفسها فيذبل ألقها التايخي الآخاذ في الاضمحلال، وتنمحي ذاكرتها المحملة بسردية ملحمية فريدة، لكنها رغم كل ش يء ما تزا ل بها بقية من م وروث ثقافي وحضاري غني ومتنوع.

لقد غدت تيشيت مركزا معرفيا هاما منذ القرن11هـ/16م على الأقل، حيث أنجبت كوكبة من الفقهاء كانت لهم مساهمة معتبر في بناء الصرح الثقافي في المنطقة، وتكرس سلاسل الأسانيد العلمية هذه المكانة المرموقة التي احتلتها الحاضرة في الهرم الثقافي المحلي.

و من مشاهير أعلام تيشيت حسب الترتيب الزمني لوفياتهم:
- سيدي أحمد أبو الأوتاد الحنشي: (بين القرنين 10-11هـ/16-17م)
أول من أدخل مختصر الشيخ خليل في المقرر التعليمي بالمحظرة التيشيتية، أخذ عن سيدي أحمد أيد القاسم الحاجي الوداني.

- أحمد بن محمد بن الفقيه الشغ سله: (1050/ 1640) كان فقيها نحويا، ووليا صالحا.

- أبو بكر بن أحمد بن الشغ، المسلمي: (ق11هـ 16م)، ويبدو من ترجمة البرتلي له أنه كان يطلع بدور اجتماعي وسياسي بارز، من خلال إعادته لمجموعة إدوالحاج بعد ما طردتهم ماسنة من تيشيت، وقد كان حيا سنة: (1071/1661).

- القاضي الفقاري الذي لم تردنا عنه معلومات كافية، سوى أنه هو من أخذ عن أبي بكر بن أحمد، وعنه هو أخذ الحاج الحسن بن آغبدي، ولا بد أن لكل واحد من هؤلاء أشياخه وطلابه ومعاصروه، لكن الذاكرة لم تحتفظ إلا بهؤلاء الذين أوردهم البرتلي لضرورة اتصال أسانيد مشايخ العلم بهم، ولعله لم يكن ليذكرهم لولا ذلك.

- أبو بكر الطفيل بن أحمد المسلمي (1083-1673/1116- 1704)، قال عنه البرتلي: «إنه اهتم باللغة والنحو والمنطق وحصل زاده من العلوم خلال تسع سنين، وكان جيد الشعر حسن النظم»، ولم نعثر له على شعر حتى الآن، ولم تتح له فرصة طويلة في العمر لكنه خلف نظمه الهام لكتاب بن هشام "قطر الندى وبل الصدى" في النحو، كما شرحه شرحا ذهبت نسخته الوحيدة إلى المشرق ولم تعد، حسب تليذه محمد بن الإمام الآتي ذكره.

- محمد بن موسى بن إيجله الزيدي (1117/ 1705) فقيه نحوي ومنطقي وشاعر، غير أننا لم نطلع له على شعر حتى الآن له عدة مؤلفات منها: نظم مسائل ابن جماعة في فقه البيوع، وكشف النقاب في قواعد الإعراب، وتوجد منه نسخة بمكتبة آل الشيخ بوي أحمد/محفوظ، ومعين الطلاب على كشف النقاب، شرح على كشف النقاب، وتوجد منه نسخة بمكتبة آل الشيخ بوي أحمد/محفوظ أيضا، ورتق الفتق في أصول وفصول المنطق، وفتق الرتق شرح للكتاب السابق، وهو موجود بكتبة محمد بن حمى الله بتيشيت، ذكر البرتلي أنه غير مكتمل، ولم تتح لنا الفرصة للاطلاع عليه.

- الحاج الحسن بن آغبدي الزيدي (1065-1655/1123-1711) المعروف بشيخ الشيوخ، حيث تمر به أغلب أسانيد علماء المنطقة، وقد أخذ عن سابقه القاضي الفقاري وهذا أخذ عن أبي بكر بن أحمد بن الشغ المسلمي، وهذا عن سابقه أبي الأوتاد الحنشي.
وقد طار صيت الحاج الحسن في الآفاق حتى أصبح تلاميذه يفاخرون به حواضر المغرب، وإلى ذلك يشير تحويرهم لبيت المغاربة الذي حَلَّوْا به الحسن بن مسعود اليوسي وهو:
من فاته الحسن البصري يصحبه :: فليصحب الحسن اليوسي يكفيه

فحوره طلاب الحاج الحسن بن آغبدي إلى:
من فاته الحسن اليوسي يصحبه :: فليصحب الحسن الزيدي يكفيه

كان يعتمد في تدريسه لطلبته على مختصر الشيخ خليل، لكنه كان " خبيرا بالمدونة والأمهات والقواعد" حسب تعبير البرتلي وكانت له اليد الطولى في الحديث وكان يجيز فيه، وكان عليه مدار الفتوى، ألف كثيرا من الكتب منها: منظومة تحفة الصبيان في الحديث، وأم البراهين للسنوسي في العقيدة، وروضة الأزهار الذي نظم به نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر العسقلاني، وقرة الأبصار في شرح روضة الأزهار، نظم في المشتبه من رجال الصحيحين، واستدراك على الخرشي في مسائل أوردها في شرحه على مختصر خليل، توجد منه نسخة بمكتبة آل الشريف بوي بتيشيت، وفتاوى ضمنها انبوي الولاتي في مجموعه.
وقد أخذ عن شيخين الفقيه أحمد الولي بن أبي بكر المحجوبي الولاتي (1034-1095هـ) وعن القاضي الفقاري التيشيتي، وأخذ عنه كثير من طلبة العلم لم يذكر البرتلي منهم إلا الفاضلان أحمد ومحمد ابني فاضل الشريف، ومحمد بن باب.

- أبو بكر بن الأمين بن الشغ بن أحمد بن الشغ المسلمي، ذكر أحمدو الصغير أنه من أهل القرن 11هـ وذكر البرتلي أن الطالب أحمد بن محمد بن الفقيه أبي بكر المسلمي المتوفى سنة 1171 أخذ عنه، وهو مستشكل، للفارق الزمني، مع العلم أن الأخير عرف عنه أنه عمّر طويلا.

- أحمد بن فاضل الشريف (1153/ 1740) أحد الأخوين الفاضلين، قال عنه البرتلي: «أخذ عن الحاج الحسن بن آغبدي الزيدي، واعتنى بالتدريس في تيشيت، وبرع في الفقه والحديث واللغة العربية، وكان يقول الشعر ويجيده»، وقد كان شاعر عصره سيدي عبد الله بن القاضي الملقب بابن رازكه: (1151/1738) يجله ويراسله، أخذ عنه ابن أخته الشريف حمى الله بن أحمد بن الإمام، وله فتاوى ضمنها انبوي الولاتي في مجموعه، وقد اكتشفنا ضمن قائمة ببعض أسماء محتويات مكتبة آل الشريف بوي كتابا نسب إليه بعنوان "قواعد مفيدة في جهل اليوم والأمس"

- حمى الله بن محمد الأمين الحنشي: (1155/ 1742) لم يذكر البرتلي عنه سوى أن له عدة تآليف منها ألفية في ضبط الأسماء والأفعال المشتبهة في مختصر خليل، وألفية في السير والغرائب، ومؤلفات أخرى، ولم نطلع في مكتبات تيشيت على أي منها، وذكر حمى الله بن امحمد بن حمى الله في إرشاد الحكام أنه هو أول من أحدث إنشاد المدائح النبوية بالعشيات.

- محمدو بن فاضل الشريف أحد الأخوين الفاضلين (1160/1747) أحد مدرسي تيشيت الأفذاذ، درس الفقه واعتنى بمختصر خليل، وتصدر الإفتاء في الحاضرة بعد موت شيخه الحاج الحسن، وكان إلى جانب أخيه السابق سيدا عظيم الجاه، له فتاوى مضمنة في مجموع ابنوي الولاتي.

- الشريف حمى الله بن أحمد بن الإمام: (1169- 1755)، أشتهر بالإفتاء وحسن استخراج المسائل، أخذ عن خاليه أحمدو ومحمدو ابني فاضل الشريف، المعروفين بالفاضلين الشريفين، وعنه أخذ كثير من العلماء، وله عدة مؤلفات منها فتاواه الفقهية المشهورة، وتوجد منها عدة نسخ، وأوردها انبوي الولاتي ضمن مجموعه، وتحصيل البيان والإفادة في شرح ما تضمنته كلمة الشهادة، وهو شرح على منظومة الأوجلي في العقائد، ونظم صغرى السنوسي، توجد منه نسخة في مكتبة الشريف عبد المؤمن، وتعليق على قول خليل: "وخصصت نية الحالف" في الفقه، والعقيدة االمنجية، لم يذكره البرتلي، وتوجد منه نسخة في مكتبة الشريف عبد المؤمن.

- الفقيه محمد بن الحاج عبد الرحمن المسلمي: (1171/ 1758)اشتهر بعلم تفسير القرآن، وكان مدرسا للفقه والنحو، أخذ عن الأخوين الفاضلين محمدو وأحمد بني فاضل الشريف المتقدمين، ولم تذكر المصادر له مؤلفات.

- محمد بن محمد بن المختار الشواف المسلمي (1176/1763)، كان مكلفا بمهمة قراءة الحديث في المسجد من طرف مجموعته التي تتولى هذه الوظيفة، كما أسلفنا، وكان فقيها مدرسا، ولم تذكر له تآليف، لكننا اكتشفنا مؤخرا أن منظومة تاريخ تيشيت التي اعتبرت مجهولة المؤلف هي من تأليفه، من خلال نسخة عتيقة منها، ذكرت المؤلف، كما سلف.

- الشريف أحمد بن أحمد بن الإمام (1178/1765) أشتهر بتدريس مختصر خليل في الفقه وألفية ابن مالك في النحو، وأخذ عن خاليه الفاضلين الشريفين أحمد ومحمد بني فاضل الشريف، ولم تذكر له تآليف.

- القاضي محمد بن يد غوره الكابي الماسني (1188/1774) قاضي تيشيت، أخذ عن الفاضلين الشريفين، وكان مدرسا للفقه والنحو، وله حظ في الحديث، ولم تذكر له تآليف.

- الطالب أحمد بن محمد بن الفقيه أبي بكر بن أحمد بن الشغ المسلمي: (1179/1766)، برع في الحديث والفقه والنحو، أخذ القراءات الثلاث نافع والمكي والبصري، وأخذ عن الفاضلين الشريفين، وعن أبي بكر بن الأمين المسلمي.

- الشريف محمدو بن الإمام أحمد (1208/1794)، اشتهر بعلوم النحو واللغة والبلاغة، وكان يدرس علوم العربية والفقه، وله عدة تآليف منها شرح على نظم لشيخه أبي بكر الطفيل بن أحمد المسلمي لقطر الندى لابن هشام، وتوجد منه نسخ عدة في عدة مكتبات بتيشت مثل مكتبة أهل الإمام ومكتبة امحمد بن حمى الله، وشرح على البسط والتعريف للمجرادي في الصرف، وتعليق على تخميس العشرينيات لابن المهيب.

- أبو بكر بن عبد الله الملقب بببانا بن أحمد الفقاري الماسني: (1209/1795) اشتهر بعلوم التفسير والحديث، وله اهتمام بالأدب يحفظ مقامات الحريري، وبرع في علوم اللغة والبلاغة والحساب والتنجيم، يقرض الشعر،( ) ولم نطلع إلا على قصيدة واحدة من شعره، يرثي بها أبا بكر بن الطالب هامه مطلعها:
فصبرا آل بكر في قضاء :: به قدما قضى رب السماء

- أحمدو بن حمى الله بن أحمد بن أحمد الملقب أحمدو الصغير المسلمي: (1272 / 1855) الفقيه المؤرخ السياسي الموسوعي الذي ألف في شتى معارف عصره واتصل بأغلب علماء منطقته، وأجازوه في مختلف معارفهم، وصحب من رجال التصوف الشريف أحمد الولي ولازمه مدة، ثم انتقل إلى التجانية الحافظية، وفتح لها أبواب الحاضرة التيشيتية، وتصدر طائفتها بها حتى مات، ولعب دورا سياسيا كبيرا في شؤون الحاضرة، له عشرات المؤلفات، منها على سبيل التمثيل: كتاب في علوم القرآن، وفتح القيوم علي روضة الفهوم، وفتح الكبير المتعال في شرح توحيد فعال ذي الجلال، والياقوت والمرجان في عقائد أهل الإيمان، ومنة العلي بما أخبر به الولي، ونفي الكفر عن من صدق الولي، وحقيقة الإيمان والكفر، وصفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحكام المداراة، وميسر الأماني، ومصباح الفقيه من كل بأس يؤذيه، وفتح الكريم في حكم الموات والحريم، ونظم في طبقات الشعراء، ومنظومة في النحو، ومنظومة في البيان، وفتح القدوس في إبطال أسس المكوس، وفتح المقيت في أحكام مكوس أهل تيشيت، ومختصر كشف القناع لابن خلدون، وفتح المولى في حكم المولى، وكتاب في الطب، ونظم في طبقات الشعراء.

- سيدي محمد بن محمد الصغير بن امبوجه العلوي التيشيتي (1275/1858) الفقيه القاضي الشاعر، أخذ العلم عن علماء حاضرته، وأخذ الطريقة القادرية الكنتية أولا، ثم انتقل إلى التجانية العمرية ثم الحافظية، وأصبح مقدما فيها، له تآليف كثيرة من أهمها: تفسير للقرآن الكريم، والبحر المحيط بمهم المعدود، والظل الممدود شرح البحر المحيط، وتعليق على مختصر خليل، والجيش الكفيل بأخذ الثأر ممن سل على الشيخ التجاني النكير.

- سيدي عبيدة بن محمد الصغير بن ابوجه العلوي التيشيتي: (1284/ 1867)، الشيخ القاضي المؤلف، أخذ العلم والتصوف عن أخيه سيدي محمد بن محمد الصغير، من مؤلفاته: ميزاب الرحمة الربانية في التربية بالطريقة التجانية مطبوع، والوابل الهاطل في دفع القيمة الزائدة على المماطل، ونوازل في الفقه توجد منها نسخة في مكتبة امحد بن حمى الله.

- حمى الله الملقب امباله بن امحمد بن حمى الله المسلمي: (1290 تقريبا/ 1873)، درس في محظرة أبيه امحمد بن حمى الله، ثم رحل إلى علامة عصره سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم، ونهل من معارفه، وأجازه فيها، شيخ مدرس ومؤلف من تآليفه: جامع البيان، نظم في البلاغة زكاه كثير من معاصريه، وتوجد منه نسخ عدة، وإضاءة الظلام في بديع النظام، نظم في علم الفلك، شرحه محمد بن آب الغلاوي الأرواني، وتوجد مه نسخة بمكتبة امحمد بن حمى الله بتيشيت، والحق والتبيان في تاريخ جميع البلدان، (يقول داده بن يدَّ، محافظ مكتبة امحمد بن حمى الله بتيشت إن نسخة الكتاب الوحيدة أخذها الفرنسيون أيام دخولهم لتيشيت، وضاعت، وإرشاد الحكام إلى الأحكام فيما يزعم بعض أهل تيشيت من الخصام.

- محمدو بن أحمدو الصغير بن حمى الله بن أحمد المسلمي: (1323/ 1904) فقيه متصوف ومقدم في الطريقة الحافظية التجانية، ومؤلف غزير التأليف، من تآليفه منن العلي الكبير بفوائد أحمدو الصغير، وهو كتاب جمع فوائد كثيرة في كافة العلوم الشرعية، وقرة عين ذي النظر السديد في مناقب علماء االتجديد، ونزهة أبصار ذوي الفكار بما في التنوير من الأذكار شرح لتنوير القلوب، لوالده أحمدو الصغير بن حمى الله.

وقد أنجبت تيشيت فقهاء مدرسين ومؤلفين كثيرين آخرين طوال هذه القرون، أمثال:
حمى الله بن محمد سير (1117/1705) أشتهر بكثرة المال والعلم.
والشريف فاضل بن محمد والد البدرين: أحمد، ومحمد: (1123/1711).
ومحمد بن الفقيه أحمد الولي والد طالب المحظرة: (1131/1718).
والحاج سيدي بن الأمين بن محمد بن الشغ: (1140/1727).
والحاج سيدي بن الأمين: (1140/1727).
وأحمد بن الإمام أحمد والد الشريف حمى الله: (1141/1728)
وسيدي محمد بن أنبوي الصغير الكابي الماسني: (1148/1735).
وأبو بكر ابن أخيار أنتاج الكابي الماسني: (1153/1740).
ويدغور بن أحمد بن الشيخ الكابي الماسني: (1153/1740).
والشريف أحمد بن بوب الشريف: (1160/1747).
وسيدي محمد بن الشواف: (1163/1750).
وأحمد بن حمى الله بن بوز الحاجي: (1177/1763).
والفغ بن أحمد بن المدربي الحاجي كان نحويا وشاعرا مفلقا: (1178/1764).
وامحمد بن سيدي الشريف والد أهل محمد سيد الشريف: (1181/1767)، وسيدي المختار بن الشغ: (1187/1773) وأحمد بن الشيخ بن الأمين الكابي الماسني: (1188/1774)، الشريف المختار بن أحمد بن الإمام: (1208/1863).

هناك كثير من أعلام القطر زاروا تيشيت وعَلموا بها وتَعلموا فيها منهم على سبيل المثال:
– الطالب سيدي أحمد بن محمد التواتي (1138/ 1725) الآخذ للطريقة الشاذلية عن الشيخ سيد أحمد بن عبد القادر عن الشيخ سيدي محمد بن ناصر الدرعي: (1036/ 1626)، توفي بتيشيت.

- سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم العلوي: (1233/ 1818)

– الشيخ سيدي المختار الكنتي: (1226/1811)

- الشيخ سيدي بن المختار بن الهيبة الأنتشائي الأبييري: (1247 ﻫ 1832 م-1286 ﻫ/ 1869 م )

– الطالب أحمد بن طوير الجنة الحاجي الواداني / ت 1265

محمد يحيى بن محمد المختار بن الطالب عبد الله الشنقيطي الولاتي (1259هـ 1841 م ولاتة - 1330هـ/1912م ولاتة).

- عبد المالك بن النفاع العلوشي الولاتي.

- محمد بن علي بن المختار العلوشي الداودي: (1274/1857).

- أَحْمَدْ بْنِ مُحَمَّدْ بْنِ أَحْمَدْ الْـمُكَنَّى بِأَبِى كَفَّه المحجوبي الوالاتي.

هذا تذكير بأهمية المدينة وضرورة الكتابة عنها وعن أعلامها، وتأليف كتاب عنها بعنوان (تيشيت العالمة) يكون لبنة في (معلمة شنقيط)

كامل الود

من أعلام ولاته
العلامة منيره بن حبيب الله الألفغي الشمشوي




هو منيره بن حبيب الله بن المختار بن أعمر بن أبوبك بن محمد بن يعقوب بن أحمذنلَّ بن مهنض أوبك بن أبي يعلي بن دبيال يعقوب الألفغي الشمشوي

والده حبيب الله بن المختار المعروف بـ(صاحب السم)، دفين "ملزم ازريبه"
المُشتفى ببروقه و بريقه :: من كل ذي حُمَةٍ و داءٍ مُعْضلِ

وأم حبيب الله هي تنغوس بنت أشفغ أوبك بن أشفغ مگر التامگلاوي، وهو ابن خالة الإمام ناصر الدين، وشارك معه في حرب شرببه كما ذكر ذلك العلامة امحمد ولد أحمد يوره في نظمه لبنات أشفغ أوبك:
عجْ بالكبير أبي الكبارِ الكُمّل :: وأبي البنات وهنّ حرز المنزل
فولدنَ كلَ مجاهدٍ ومشاهد :: سر الغيوب وكل قاضٍ أنبل
مثل الذي بسيوفه وزحوفه :: رد الأنام إلى الطريق الأعدل
ومنير دين المصطفى وشقيقه :: ورد الحمام مع الرعيل الأول
والمشتفى ببروقه وبريقه :: من كل ذي حمة وداء معضل
والموسويين الأُلى قد فصلوا :: حكم القضاء بكل حكم فيصل
والنظم ضاق ببعضهم فحذفته :: ولربما حذف الذي لم يجهل

ولحبيب الله صاحب السم خمسة أبناء وخمس بنات وأم الجميع خديجة بنت المژدف بن يؤقب البهناوي وكان صالحا ذا خوارق مشهورة منها أنه هو وأبناؤه يرقون السم بلا رقية.
ويوجد قبره عند ملزم ازريبه يقول فيه صاحب نظم المدافن العلامة المختار بن چنگي اليدالي:
وصاحب السم حبيب الله :: فلا تكن عن زوره باللاهي
إذ نوره كالشمس في الظهيره :: صلى عليه ملزم الحظيره

ويقول الشيخ الخديم أحمد بمبَ امباكي متوسلا به:
فبحبيب الله أن تنجي :: جسميَ من حُمّى ومن (قلنجي)

ومن أبنائه صاحب الترجمة، العلامة منيره بن حبيب الله، الذي عاش القرن الثاني عشر الهجري، وتوفي سنة 1163هـ/1749م.
وهو شيخ جليل وعالم متبحر وإمام في العلوم النحوية واللغوية هاجر من “الگبلة” إلى حاضرة العلم مدينة (ولاتة)حيث طاب به المقام ردحا من الزمن، واشتهر عطاؤه العلمي، وأسهم بقسط وافر في نشر العلم في ربوعها، ولاسيما النحو واللغة.

ومن أبرز الآخذين عنه: الإمام عمر مم بن محمد بن أبي بكر الولاتي (ت. 1201ه/1786م).
والحاج أبو بكر بن الطالب عمر البرتلي (ت.1179ه/5-1766م)
وأحمد بن سيدي عثمان بن مولود الغلاوي (ت. 1179ه/5-1766م)
والحسن بن الطالب أحمد بن علي دكان البرتلي (ت. 1173ه/1760م) وغيرهم.

وقد ترجم له البرتلي في تاريخه (ص. 36) وفي فتح الشكور (ص. 220) ووصفه ب”شيخ أشياخنا” وقال إنه “كان أستاذا فاضلا جليلا نحويا لغويا أديبا، له حظ في القراءة والفقه والأصول وغير ذلك، حسن الخلق جميل العشرة، شاعرا ناثرا، له شرح حسن مفيد رتب فيه توضيح ابن هشام على الخلاصة سماه: “الدلاصة على الخلاصة”.
وله نوازل فقهية، وأشعار وأنظام مختلفة.

ومن آثار منيرة الأخرى التي ما يزال لها حضور حي في ولاتة قصيدته التوسليةاليائية التي مطلعها:
بِبَابِكُم حَاجَوِيُّ :: يَا أَحْمَدَ الْقَرَشِيُّ.
وتخميس الطالب أعلي بن الطالب أعمر البرتلي (ت. 1179ه/1766م) لها المسماة “وسيلتي” ما زالت إلى اليوم هذه القصيدة مما يُحْيِي به الرجال عيد المولد في المسجد وفق “ضربة” خاصة بها، ويتغنى بها النساء على الطبل ليلا.
وكتب في بداية إحدى نسخها المتداولة في ولاتة ما نصه: «هذا تخميس قصيدة (وسيلتنا إلى ربنا) لمنيره الشمشوي، أنار الله منا ومنه السريرة: “بِبَابِكُم حَاجَوِيّ”».

ومن أهم آثاره العلمية و الثقافية (حبب الدلاصة في ترتيب التوضيح على الخلاصة)
قال عنه البرتلي في فتح الشكور: “الطالب سيدي منيره بن حبيب الله التشمشاوي ـ رحمهما الله تعالى ـ، كان ـ رحمه الله تعالى ـ أستاذا فاضلا جليلا، نحويا، لغويا، أديبا، له حظ من في القراءة والفقه والأصول وغير ذلك، حسن الخلق، جميل العشرة، شاعرا، ناثرا (…) قرأ عليه الألفية الإمام عمر بن أبي بكر الولاتي ، والحاج أبو بكر بن الطالب محمد بن الطالب، وأحمد بن سيدي عثمان بن مولود الغلاوي، وغيرهم، وانتفعوا عليه ولله الحمد. توفي ـ رحمه الله تعالى ـ عام اثنين أو ثلاثة وستين ومائة وألف”.

والدِّلاص: الشيء البرَّاق، ويقال للذهب.
أما الحَبَب فيقال للأسنان المنضَّدَة،(على التشبيه) ويطلق على الفقاقيع على وجه الماء، والندى يغطِّي النَّبات في الصَّباح الباكر، وما يعلو الخمر والذهب الذائب من الفَقَاقِع.

يقول العلامة منيره في مقدمة الكتاب:
“الحمد لله المنَزَّه عن النَّحْو والتشبيه ذي الآلاء السنية، وصلى على من نَحْوُه نحْوُ الشك عن نَحْوِ الحنيفية، وعلى الذين نَحَوْا طريقه ونَحَّوا عنها من كل النَّواحِي بِنَواحِي الظُّباة السنية”
وقد رسم العلامة منيره في مقدمته منهجا واضحا سار عليه في الشرح، ومن ذلك المنهج ما نبه عليه من أنه قد يلجأ لتغيير نص ابن هشام بتحوير كلمة أو حرف، وبالزيادة تارة؛ ما دعا لذلك داعي ملاءمة، وأنه ربما يشغله عن برق الترتيب المُتَأَلِّق حُبُّ التقريب، إضافة إلى إضاءة في مصطلحه تعين القارئ؛ يقول: “ربما غيرت لفظا منه ليلائم النص وإذا لم يلائمه بتغير حرف أو كلمة زدت عليه ما ينجح بعضها إلى بعض، وجعلت الهاء بعد الزيادة إشارة إلى نصه، وصورتها: هـ، وألجأني حب تقريبه على عدم ترتيبه، وذلك لا يضره (…) وإذا حضرني قول كَثُرَ ونسيت قائله أو اقترحته من نفسي قلت: قلت، وعند قول الإمام الشاطبي أقول: قال صاحبها، وأقول كلما كلام ابن هشام انتهى: انتهى”

ولما كان قصد منيره من شرحه التقريب للتلاميذ ناسَبَ ذلك أن يختصر، فكان حين “يطنب ابن هشام” في موضع ما “يُقْصِر عنه العِنَان”، وربما يصرفه طلب الاختصار عن ذكر وجوه لبعض الألفاظ ومعان لبعض الحروف نبه عليها؛ لأنها “لا تليق بمختصر المختصر”، وحين يطيل ـ وفي كلٍّ خير ـ يقدم بين يدي القارئ معذرته؛ من ذلك قوله معتذرا عن الإطالة في الكلام عن العدد: “وإنما أطلنا الكلام في هذه المسألة؛ لأنها مزلة أقدام الفقهاء، فإنا شاهدنا مراسلة وقعت بين جم غفير منهم، ونصها: وما دية خمسة عشر موضحة، وفي الجواب: فأما دية خمسة عشر موضحة، إلى غير ذلك”
وليست الدلاصة مجرد طرة حَسَنَتُها ترتيب التوضيح فحسب؛ بل هي شرح ـ وإن كان في أصله اختصارا وترتيبا للتوضيح ـ يناقش صاحبه ويعترض ويستدرك وتحس بوجوده داخله من خلال أثره فيه، وليس قصده بالاعتراض الاعتراضَ لذاته، وكيف وهو الذي يعلق على ابن هشام وقد اعترض على ابن مالك وابنه بقوله: “وأخذ ابن هشام هنا في اعتراضاته على الناظم وابنه، وما قولنا فيهما إلا كما قال أبو القاسم في القراء:
جزى الله بالخيرات عنا أئمة ** لنا نقلوا القرآن عذبا مسلسلا
كما قال:
أبحت حمى تهامة بعد نجد :: فما شيء حميت بمستباح”
يناقش منيره في مستهل باب التأنيث الأزهري في قوله “إن المعاني المدلول عليها بالألفاظ أشخاص الجواهر، وهي على قسمين حيوان وجماد …”، باعتبار أن في ذلك نظرا، “ولو قال إن الألفاظ على قسمين جماد وحيوان، والحيوان على قسمين ذكر وأنثى لأجاد التفصيل”، ويأخذ على ابن هشام في باب الإمالة تمثيله بكاد وهو يتحدث عن السبب الثالث للإمالة المشار له بقول ابن مالك: وهكذا بدل عين الفعل إن ** تؤل إلى فلت”، وذلك أن تمثيله بها “مخالف لما قال بعض أهل اللغة إنَّ كاد أصلها فعُل ـ بضم العين ـ كطال، وشذ عن نظائره؛ لأن قياس مضارعه أن يكون مضموما، قال في اللامية: والضمَّ من فعُل الزَمْ في المضارع”
وغير بعيد من الاعتراض والمناقشة الاستدراك، ونكتفي هنا بعرض نماذج من استدراكات منيره على الخلاصة:
ـ يقول في تعليقه على حديث ابن مالك عن كَسْرِ همز إن ـ بعد شرح قوله: وكسروا من بعد فعل علقا :: باللام كاعلم إنه لذو تقى
ولو زاد بيتا فقال فيه:
أو وَقَعتْ صفة أوْ خَبَر ذاتْ :: أو بعْدَ حيْثُ هكذا روى الرُّواةْ
لوفى بالمراد”
ـ وفي باب ظن وأخواتها يرى أن الناظم لو قال:
وَجَدَ ألْفى وتَعَلَّمْ ودَرَى :: أحلّ في تلك اليقين الخَبَرَا
عَدَّ حَجَا زَعَم هَبْ وَجَعَلَا :: خَبَرُها للشك حَتْما جُعِلَا
رأى علمْ فيه اليقينُ قدْ غَلَبْ :: واعكسْ بِخَالَ وظننت وحَسِبْ
لأجاد التفصيل”، وأنه لو قال:
وذانِ إذْ ذَالِكُمُ كَذَيْ كَسَا :: لِذَيْنِ في ذَيْنِك شِبْهٌ وَائْتِسَا
لوافقه التوضيح؛ يعني أن هذين المفعولين إذا كان ذلك كمفعولي كسا لهذين اقتداء بذلك”
ـ كما يقول مختتم ما لا ينصرف قبل البيتين الأخيرين منه: “وأهمل الناظم ـ رحمه الله ـ أمس، ولو قال:
كذاك أمسِ إن أردْت ما يليهْ :: يَوْمُك إن جَرَّدْتهُ فكنْ نَبِيهْ
لوفى بالمراد.
أي: إن جردته من أل والإضافة، والنبيه هو العاقل”
ـ وفي باب الإخبار بالذي يقول مستدركا ثلاثة شروط من شروط المخبر عنه بالذي أهملها ابن مالك:
وكونه في جملةٍ ذات خَبَرْ :: شرْطٌ له شَهَّرَه مَن اشْتَهَرْ
وُرُودُه في الثَّبْتِ دون ميْنِ :: وَلَا يُرى فِي مُسْتَقِلَّتَيْنِ”

وقد ظل هذا النص سنين عدداً أثراً مفقوداً في أوساط المحظرة الموريتانية، واستمر البحث عنه يثير فضول طلبة العلم في هذه البلاد بعدما أشار إليه عدد من المؤلفين من علماء المنطقة، كان من أبرزهم الطالب محمد بن أبي بكر البرتلي الولاتي(المتوفى عام 1219هـ/1805م) في كتابه “فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور”.

وبعد حقب متطاولة من ضياع الكتاب، اضطلع الباحث الدكتور محمد المختار ولد السعد بمهمة تحصيل نسخة منه عندما كان في مهمة بحثية في العاصمة الفرنسية باريس أواسط ثمانينيات القرن الماضي إذ تمكن من استنساخ نسخة ميكروفيلم بالمكتبة الوطنية بباريس.
وصف المخطوط تندرج النسخة الباريسية ضمن مجموع المكتبة العمريةالمحفوظ بالمكتبة الوطنية بباريس تحت رقم 186-79، 5545. ويوجد النص ضمن مخطوطات أخرى من هذه المكتبة، ويبدأ ترقيم صفحاته بالرقم 79 وينتهي بالرقم 189، أي ما مجموعه 111 صفحة. إضافة إلى هذه النسخة الأصلية، هناك نسخة أخرى مستنسخة منها، لكنها خضعت لعملية تصحيح أشرف عليها العلامة محمد سالم ولد المحبوبي رحمه الله تعالى، حيث نجد في خاتمة هذه النسخة إفادة بذلك بخطه.

ويمكن أن يكون شرح العلامة منيره للألفية المسمى “”حبب الدلاصة” هو أول شرح شنقيطي للألفية، وربما يكون سبقه كتاب العلامة انجبنان بن محمذن ابن أحمد چهچ الألفغحيبلي، الموسوم بـ (شافي الغليل في علوم الخلاصة والتسهيل)، ذلك جدل بين الباحثين، خاصة وأن الرجلين عاشا في فترة واحدة، حيث توفي منيره 1162هـ وتوفي انجبنان1160هـ، لذلك يبقى الاحتمال وارد حتى تثبت الأولية لأحدهما بالحجة.

بعد مقامه الطويل في ولاتة رجع العلامة منيرة إلى الگبلة وتوفي بها ومن شعره وهو في غربته:
ألا يا خفاف الجن بالله خبروا :: بلادي وأوطاني بما أن قائله
وقولوا لهم إن الغريب غريبهم :: على سطح دار ذاهب العقل ذاهله
وليس له من صاحب ومؤنس :: سوى ساحرات كل حين تقاتله

وبعد أن طال مقامه في ولاته وأحوازها، وعميّت أخباره على ذويه، عاد من ولاتة إلى مسقط رأسه بأواسط إيگيدي حيث عاش بقية حياته، ورزق أبناءه: محمذ، والسعد، وعبد الله، وأحمدُّو.
وتوفي – على الراجح – عام 1163ه/1749م ودفن في “اكْفُوذْيَلَّه” الواقعة على بعد 65 كلم من نواكشوط جنوب طريق الأمل.

كامل الود

من أعلام ولاته
العلامة محمد يحيى الوَلاَتي




عالم الصحراء، وعمدة العلماء، الشيخ الفقيه الأصولي الصوفي الأديب البارع المتفنن، أبو عبد الله محمد يحيى بن محمد المختار ابن الطالب عبد الله الداودي، الولاتي، المالكي، الأشعري، التيجاني، الذي لا تذكر (ولاتة) إلا وذكر، ولا يذكر إلا وذكرت؛ كان طالبا مثابرا، وشيخا مميزا، وقاضيا عدلا.

ولد الشيخ الولاَتي سنة (1259هـ)، وقيل سنة (1260هـ) في مدينة ولاَته في الجهة الشرقية من المنتبذ القصي.
نشأ يتيماً فقد توفي والده هو صبي، وتولى كل من أخواله وأمه (لعزيزة بنت الحاج) رعايته والاعتناء به، فنشأ نشأته الأولى في وسط علمي أهله لطلب العلم والحرص على لقاء الشيوخ ومجالستهم.

وكان رحمه الله تعالى جادا مجتهدا في طلب العلم حيث بدت عليه علامات علو الهمة والحرص على عدم تضييع الوقت، والدأب على التحصيل والأخذ عن مشايخ بلده من أمثال: الشيخ الدسري (كان أحد الموالي)، وهو الذي علمه القرآن الكريم، والشيخ أحمد بن محمد بوكفتة المحجوبي … وآخرين.

وكانت رحلته إلى البلاد المقدسة لأداء فريضة الحج سنة (1311هـ) رحلة علمية ذات فائدة كبيرة، مرَّ خلالها في ذهابه وإيابه بالمغرب وتونس ومصر.

ففي المغرب استفاد منه بعض العلماء كالشيخ أبي العباس ابن المامون البلغيثي الفاسي (ت1348هـ) في علمي البيان والأصول.
ووصل تونس عام 1314هـ والتقى بعلمائها وأعيانها، وأقام فترة يدرّس بتألق في زاوية سيدي إبراهيم الرياحي التجانية.
وبمصر جالس بعض علماء الإسكندرية كالشيخ أبي السعود حسن شحاتة الشافعي، وبتونس اجتمع بالشيخ سالم بن عمر بو حاجب (ت1342هـ).

وقد عُرف عن الشيخ الولاتي قوة نباهته ونبوغه المبكر وهذا ظاهر من إقبال المشايخ على الأخذ عنه وهو في مرحلة الطلب.
بدأ الشيخ مسيرته التأليفية في مقتبل عمره؛ حيث نظم معاني الحروف من “مغني اللبيب” وهو لما يتجاوز السابعة عشرة من عمره، وفي سن الثامنة عشرة كان قد شرح ألفية السيوطي في البيان، كما شرح وهو في الخامسة والعشرين “مراقي السعود”، وناهيك بمن برّز في المتمات وهو ما يزال في تلك المرحلة من العمر.

تولى عدة مهام منها: عقده حلقات التدريس وإفادة الطلاب من علمه الغزير.
أخذ عنه جماعة، منهم: محمد بن امباله، ومحمد المختار بن امباله، والمرواني ابن احماد، وآخرون غيرهم كأبنائه، وكالذين ذكر في رحلته من المشارقة.
وإلى جانب مهمة التدريس تولى رحمه الله منصب القضاء والإفتاء ببلده.

وكان من معاصريه العلامة محمد بن أحمد الصغير بن حمى الله، بن أحمد، بن أحمد، المسلمي التشيتي المولود سنة 1248/1832، بحاضرة أجداده تيشيت، والمتوفى وتوفى 1324/ 1906 تقرببا، وكان صديقا للعلامة محمد يحيى، وشريكه في الطريقة التجانية، وكان كلاهما يجل الآخر، لهذا بعث محمد يحيى بنسخة من رحلته إلى ابن أحمد الصغير من وهران ليكون أول المطلعين عليها، حسب رسالة بعثها إليه، لكن نكران الولاتي لوجود دليل شرعي على وجود الأقطاب والأبدال لم يرض التشيتي، فبعث له برسالة جوابية يستعظم عليه فيها ذلك النفس السلفي الذي لمسه لديه في الرحلة، ثم تراجعا في مسائل علمية أخرى كثيرة، وقد وصلت مراجعاتهما إلى حد جعل محمد المختار بن محمد يحي يبعث بقصيدة رائعة يعتذر فيها عن أبيه لابن أحمد الصغير.

وكان للعلامة محمد يحيى الوَلاَتي رحمه الله أثر في الإصلاح المجتمعي حيث عمل على مواجهة كل أشكال الانحرافات السائدة في محيطه الاجتماعي، هذا كله جعل الشيخ الولاتي يحتل مكانة متميزة بين معاصريه، فقد قال عنه تلميذه الشيخ أبو العباس ابن المأمون البلغيثي الفاسي: «هو العلامة الهمام المهتم بتحرير العلوم أي اهتمام، الحافظ الحجة السالك في اقتفاء السنة أوضح محجة …».

أما علاقة العلامة محمد يحي الولاتي بمدينة تيشيت فقد تناولها د. حماه الله بن ميابي (جامعة نواكشوط ) في عرض تحت عنوان :" محمد يحي الولاتي في مدينة تيشيت: حضوره وتراثه"، وقال في مستهل عرضه إن محمد يحي الولاتي "يعتبر من أبرز فقهاء منطقته في عصره بما اتسم به من حضور قوي ومؤثر في مناحي الحياة المختلفة" وقال "إن علاقة الولاتي بتيشيت قد تقوت أكثر بفعل القرب الجغرافي بين المدينتين والتبادل التجاري النشط بينهما ثم بفعل العلاقة الصوفية التجانية الخاصة بين الفقيه محمد يحي وتيشيت الحاضرة التجانية حينها بامتياز بتلك الجهة" .وتحدث عن تلك العلاقة من خلال الرحلة الحجازية والفتاوى والمؤلفات وقدم جدولا بمؤلفات الفقيه الموجودة في تيشيت.
ومما يؤكد سعة مجال الفقيه الولاتي في دراسته وتكوينه كثرة وتنوع تآليفه التي تناهز المائة، نذكر منها:
فتح الودود شرح مراقي السعود في الأصول
والرحلة الحجازية
ونور الحق الصبيح في شرح الجامع الصحيح
وشرح اختصار ابن أبي جمرة
وتأليف في مصطلح الحديث
وإيصال السالك في أصول الإمام مالك
بيع المعاملات بالتفاضل
والأجوبة المهمة عن الوقائع الملمة
ومنبع العلم والتقى وشرحه في فروع الفقه و أدلتها من الكتاب والسنة والدليل الماهر الناصح شرح نظم المجاز الواضح على قواعد المذهب الراجح
ونيل السول على مرتقى الوصول
واختصار الموافقات للشاطبي
وغير ذلك من المصنفات في الفقه والأصول واللغة.

شد رحله للحج سابع رجب من العام 1311هـ، يقول العلامة المختار بن امبَالَّهْ:
لئن غاب عن ولاته يحيى فإنها :: تغيَّب عنها نورها وشبابها
وغيب عنها نحوها وبيانها :: وغيب عنها فقهها وصوابها

وفي رحلته الحجازية، خرج الشيخ محمد يحيى من ولاتة قاصدا الحج لسبع ليال خلون من رجب الفرد من العام الحادي عشر بعد ثلاثمائة وألف [1311ه - 1894م]، ولم يرجع إلا بعد ست سنوات وثلاثة أشهر؛ حيث ألقى عصا التسيار بأروان لستة من شوال من العام السابع عشر بعد ثلاثمائة وألف [1317هـ - 1900م].

ست سنوات وثلاثة أشهر قطع فيها الشيخ مسافات طويلة، وتعرف فيها على ثقافات مختلفة، ودخل خلالها نقاشات علمية (تستحق تلك اللقاءات العلمية التي أشار لها الولاتي في رحلته دراسة مستقلة، تسبر أغوارها؛ فتميط اللثام عنها، مجلية قيمتها العلمية)، كالتي دخل مع مفتي أهل إيليغ محمد بن العربي الأدوزي وغيره، كما درّس فيها، وتلقى الإجازات وأجاز، وألف المؤلفات وشرحها، وزار الأماكن المقدسة، واقتنى الكتب النفيسة، وتعرف على السلاطين.

لقد سجل محمد يحيى أحداث رحلته ومراحلها تسجيلا دقيقا؛ فتوقف عند ذكر الطرق والمنازل، وذكر بالاسم أغلب من لاقى من السلاطين والعلماء وما قدموا له من هدايا، كما استطرد خلالها بعض أشعاره، وضمنها فتاواه وردوده، واستفاض في الوصف الدقيق لمعالم الحرم الشريف حين كان يؤدي مناسكه، الأمر الذي جعل الدكتور محمد حجي محقق الرحلة ينبه إلى أن القسم المتعلق منها بالحرمين الشريفين هو أهم محتوياتها؛ بل يقترح أن “يطبع على حدة كدليل للحج السني”.

هذا وقد صدرت الطبعة الأولى للجزء الأول من هذه الرحلة عام 1990م، بالاشتراك بين معهد الدراسات الإفريقية بالرباط ودار الغرب الإسلامي، تولى التعليق عليها الدكتور محمد حجي، وقد قام بتقسيمها إلى:
– القسم الأول (15 – 73): بدء الرحلة من ولاتة في 7 رجب 1311ه- (14 يناير1894م).
– القسم الثاني (75 – 100): الخروج إلى شنقيط فاگليميم.
– القسم الثالث (101 – 164): الرحيل إلى تزروالت فالصويرة ثم الرباط.
– القسم الرابع (165 – 210): إبحار المؤلف إلى الحجاز، ومكثه في البقاع المقدسة ستة أشهر.
– القسم الخامس (211 – 270): ذهاب المؤلف إلى مصر.
– القسم السادس (271 – 312): وصول المؤلف إلى تونس، وإقامته بها ثمانين ليلة.
– القسم السابع (313 – 403): عودة المؤلف إلى المغرب.

وهكذا كان الفقيه الولاتي قائماً بحق العلم والتعليم والإفتاء والتأليف إلى أن ألَمَّ به مرض ألزمه الفراش حتى وافاه الأجل.

قال عنه الفقيه التونسي محمد باش طبجي:
"رجل تلوح عليه الشهامة، يمثل عربيا من تهامة او كانه نشأ فى بادية اليمن، أو ادبته إمرأة من علياء هوازن، فلاغرو أن ينحو فى نطقه الاعتيادى حذو العربيه الفصيحة....يتصل نسبه بجعفر الطيار رضي الله عنه وعن سائر أهل البيت كما تشهد بذلك الشجرة التى بيده، أما تضلعه فى العلوم الشرعية وتبحره بالفنون العربيه لا سيما علم أنساب العرب، فقد بلغ فى جميعها غاية الأرب مع مقدرة على النظم والسجع والأنشاء والترسل وبراعة فى القصيد بحيث إن قال لم يدع قولا لقائل وإن أطال لم يأت غيره بطائل ، يسوق ما عرفه من تلك الفنون فى أقوال مختلفة حتى كأنها آلة فى يده يصرفها كيف يشاء".

توفي محمد يحيى عام 1330هـ – 1912م عن عمر ناهز 71 عاما، كانت كلها مليئة بالعطاء العلمي المميز، الذي شهد له به القاصي والداني، يقول تلميذه الفقيه سيداتي مشيرا لتاريخ وفاته في مرثيته له، ومتحدثا عن مبلغه من العلم:

فـ”بشرك حق” كان تاريخ موته :: تأمل تجد سرا هناك مجذرا
بكى الفقه والأصلان والنحو فقده :: وتفسير آي والحديث وما جرى
وما للبيان من بيان وراءه :: وعلم المعاني معْه معناه أقبرا
أطالبَها ألق العصا والزم الأسى :: فإن الذي تبغيه غيّب في الثرى
“حلولو” و”سعد الدين” يركب لجة :: من البحر ذاك العلم فيها تحيرا
ولو أن تاج الدين أبصر نوره :: لصيره تاجا على الرأس مزهرا
وأنى لفخر الدين فخر كفخره؟ :: ومن رام إمساك الثريا تعذرا
كطفل لقبض البدر قد مد راحة :: “وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا”
وأسنى صلاة الله ثم سلامه :: على المصطفى سر الوجود لمن درى

دفن – رحمه الله تعالى – بمقبرة ولاتة، ونقش على قبره من إنشاء ابنه العلامة محمد الحسن من مجزوء الرجز:
هذا ضريح من به :: علم الشريعة انتشر
فقها ومعقولا جمـــــيعا وكتابا وأثر
ألف في حياته :: مائة سفر وعشر
وزار قبر المصطفى :: والبيت حج واعتمر
قاضي القضاة كلهم :: من بالعدالة اشتهر
محمد يحي رضي :: الله عنه وغفر

تغمده الله بواسع رحمته.

كامل الود

 الدكتور محمد المختار ولد اباه




أول موريتاني يحصل على دكتوراه دولة


قال الدكتور جمال ولد الحسن رحمه الله ، حين كان يحضر رسالة الدكتوراه:
الآن فهمت قولهم: (بابَ إحضّرْ الدكتوراه)، وأنا أشاهد تلك (اللّمبَه) المضاءة طوال الليل في خيمة أهل محمد المختار بالبادية.

إيداع موضوع الدكتوراه
أودع الدكتور محمد المختار ولد اباه موضوع رسالة الدكتوراه في يونيو 1972.
وكان النقاش سنة 1975 في قاعة "Salle Durand" في باريس ، تلك القاعة المزينة بالجداريات الفنية و اللوحات العتيقة و المصابيح المذهبة والتي تحمل اللمسات الفنية للتراث المعماري الفرنسي الأصيل.

عنوان الأطروحة:
La littérature juridique et l'évolution du Malikisme en Mauritanie
وبترجمة غير حَرفية:
"تاريخ التشريع وتطور الفقه المالكي في موريتانيا"

قبل الدكتوراه أعد الدكتور رسالة (السلك الثالث)
عن (الشعر الموريتاني من 1650-1900)
ونوقشت الرسالة يوم 29 مايو 1969

وكانت لجنة نقاش رسالة التخرج للسلك الثالث تتكون من
المستشرق الفرنسي شارل بيلا مشرفا
وضمت لجنة النقاش:
المستشرق الفرنسي "جيرار لكونت - الأستاذ في مدرسة اللغات الشرقية/ باريس ، وهو أستاذ متخصص في ابن قتيبة ، وله كتاب "ابن قتيبة الدينوري أديب الفقهاء و فقيه الأدباء: حياته و آثاره و أفكاره" ، وشارك لكونت في تأسيس مجلة Arabica مع المستشرق الفرنسي لفي ابروفنسال ونشرت مجلة "ارابيكا" الفصل الأول من الأطروحة (الشعر الموريتاني من 1650-1900).

كما ضمت اللجنة المستشرق الفرنسي جيرار تروبو أستاذ فقه اللغة العربية في جامعة السوربون - باريس ، وهو مستشرق متخصص في سيبويه ، ومعروف بدراسته الشهيرة "نشأة النحو العربي في ضوء كتاب سيبويه".

ولمعرفة مدى اطلاع (الآخر) على تراثنا –والشيء بالشيء يذكر- في حوار أجرته مؤسسة الفكر العربي مع كبير أدباء أميركا اللّاتينيّة، الأرجنتينيّ خورخي لويس بورخيس (1899 - 1986) ، سأله المحاور:
يُذكّرني استنتاجكَ الأخير بعبد القاهر الجرجاني، الناقد العربيّ القديم/ الجديد دائماً، والذي لطالما تحدَّث عن معنى المعنى في الكتابة التي تختلط فيها الحواس بالحواس وتتفاعل تفاعُلاً لا انقطاع له.. ماذا تقول؟
هنا انتفضَ بورخيس قائلاً: عبد القاهر الجرجاني، أوّاه إنّه أحد أعمدة النقد في الثقافة العالَميّة بأسرها، وليس في الثقافة العربيّة - الإسلاميّة فقط، ومعه بالطبع الجاحظ، وكذلك ابن رشيق القيرواني، فهؤلاء جميعاً هُم من روّاد النقد الأدبي في العالَم بأسره.
وتابعَ بورخيس يقول: حاضرتُ في بوينس آيرس ذات يوم عن عبد القاهر الجرجاني وكِتابه "دلائل الإعجاز" الذي أعتبره يُلخِّص نظريّته الرائدة في الشعر وقضايا المجاز، والاستعارة، والتشبيه، وضرورات الإيجاز ومسائل عِلم البلاغة وعِلم المعاني، الذي هو سيّد فيه.
وفي استطراد يقول المحاور لبورخيس :
تُذكّرني إجابتك هذه بالنفَّري، المتصوِّف العربيّ الكبير الذي يقول:
"كلّما اتّسعت الرؤية ضاقت العبارة"؟
يقول بورخيس:
من أماكن مُختلفة تُسحرني هذه العبارة للنفَّري. وأنا مفتون بها حتّى الثمالة.. مفتون بنداءات هذا المُتصوِّف الإعجازيّ العربيّ، وهي تطفر من سِفْرِه العظيم: "المَواقِف والمُخاطبات".
يقول المحاور: ثمّة مُبالَغة في القول إنّكَ تعمَّقتَ مَعرفيّاً بالتراث العربي - الإسلامي ورموزه، وبالقرآن والإسلام والفلاسفة المُسلمين، حتّى أنّكَ كَتبْتَ قصّةً بعنوان: "بحث ابن رشد" أو انتزعْتَ، مثلاً، آيةً من آيات القرآن الكريم (من سورة البقرة) وصدّرت بها واحدة من قِصصك.. أَليس كذلك يا سيّد بورخيس؟.. أطرق بعض الشيء ثمّ قال:
عَبَبتُ من التراث العربي والإسلامي ما يفيد تجربتي في ما كتبتُ ونشرتُ؛
سُحرت بالتراثات الفارسيّة والهنديّة والصينيّة، غير أنّ التراث العربي - الإسلامي كان وقْعُهُ عليّ أقوى وأشدّ.

لقد اعتنى الغربيون بتراثنا ودرسوه أكثر مما درسناه.

****
رسالة دكتوراه الدولة للدكتور محمد المختار ولد اباه
La littérature juridique et l'évolution du Malikisme en Mauritanie

تكونت لجنة نقاشها من الأساتذة:
الرئيس:
المستشرق الفرنسي الكبير روجيه أرنالديز

وعضوية
البروفيسور شارل بيلا
الدكتور محمد أركون
الدكتور مصطفى الشويمي

وحضر النقاش الأستاذان محمد ولد مولود ولد داداه وأحمد ولد سيدي بابَ.

المستشرق الكبير روجيه أرنالديز (1911 - 2006)
أمضى حياته في دراسة التراث الإسلامي الديني والفلسفي.
وشُغل طيلة حياته بإقامة المقارنة بين الأديان الثلاثة: (اليهودية، فالمسيحية، فالإسلام).
كثيراً ما عبر عن إعجابه بروحانية الدين الإسلامي الحنيف وشخصياته الكبرى من أمثال الحلاج، وابن عربي، والغزالي، وابن رشد، وابن سينا، الخ،
له مؤلفات مهمة خص بها التراث الإسلامي وأدت إلى إلقاء أضواء ساطعة عليه.
منها أطروحته لدكتوراه الدولة عن ابن حزم والتي أهداها إلى الدكتور طه حسين ، أحد أساتذته المشرفين. وقد صدرت عام 1956.
أقام روجيه أرنالديز مطولاً في القاهرة في الأربعينيات من القرن الماضي وأصبح فيما بعد عضواً في مجمع اللغة العربية في القاهرة.
عاد إلى فرنسا وأصبح أستاذاً في السوربون وارتفع إلى أعلى المراتب العلمية عندما انتخبوه عضوا في أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية. وهي الأكاديمية التي تضم كبريات الشخصيات الفرنسية والأجنبية والتي تقع في نفس مبنى الأكاديمية الفرنسية على نهر السين.
كتابه عن ابن حزم أصبح مرجعاً كلاسيكيا بالنسبة لطلبة الدراسات العربية والإسلامية في فرنسا وخارجها.
كتب عن جوانب من الفكر الإسلامي ، ودرس الفكر الديني لدى كبار فلاسفة المسلمين كابن عربي، والفارابي، وفخر الدين الرازي، وابن رشد، وابن مسكويه..
وله كتاب عن ابن رشد بعنوان: ابن رشد. عقلاني في أرض الإسلام.
كان أرنالديز صاحب مشروع ضخم. عكسه حجم مؤلفاته ودراساته المنجزة عن التراث الإسلامي.

شارل بيلا
مستشرق متخصص في الجاحظ ، وانصب إنتاجه العلمي عليه ، وأوسع وأفضل ما كتبه في هذا الباب هو رسالته للحصول على الدكتوراه، وعنوانها: «الوسط (العلمي) في البصرة وتنشئة الجاحظ».
تناول بيلا في كتابه حياة الجاحظ ، وتاريخ مدينة البصرة في القرنين الأول والثاني للهجرة: تأسيسها، سكانها، الوسط الديني السُّنّي، الوسط الأدبي؛ الشعر، الخمر، اللغة، الوسط السياسي الديني، الوسط الاجتماعي.
وكتب عن الجاحظ خلال حياته العلمية العديد من الدراسات، كما نشر بعض رسائله، من أهمها:
1 ـ «الجاحظ في بغداد وسرّ من رأى»
2 ـ «الإمامة في مذهب الجاحظ»
3 ـ «ردّ الجاحظ على النصارى»
4 ـ «الجاحظ ومذهب الخوارج»
5 ـ «الجاحظ: الأمم المتحضرة والعقائد الدينية»
6 ـ «الجاحظ والهند»
7- «تحقيق كتاب التربيع والتدوير» للجاحظ.

وجدت له آلاف الجذاذات التي جمعها لإعداد معجم مزدوج شامل، يضمّ الفصيح والدارج، ولكن المنية عاجلته، فلم يُتم مشروعه الضخم، وظلت الجذاذات في صناديق حديدية، بمقر معهد اللغات الشرقية في أنيار (الضاحية الشمالية لباريس) حتى سنة 2009، تاريخ الانتقال إلى المبنى الجديد بقلب باريس، فضاعت كنوز هذا العالم وألقيت مع النفايات.

محمد أركون (1928 - 2010)
درس الأدب العربي والفلسفة والقانون والجغرافيا بالموازاة بكلية الآداب بجامعة الجزائر.
التحق بجامعة السوربون في فرنسا، حيث حصل على شهادة دكتوراه في الفلسفة عام 1969.
زاول أركون التدريس سنوات مديدة، أستاذا جامعيا في مجموعة من الجامعات عبر العالم، منها جامعة السوربون وجامعة ليون وجامعة كاليفورنيا وجامعة نيويورك وعمل باحثا مرافقا في برلين.
شغل عضوية عدد من الهيئات المعرفية، كمجلس إدارة معاهد الدراسات الإسلامية في لندن، والمجلس العلمي للمعهد السويدي بالإسكندرية، كما اشتغل مديرا علميا لمجلة “أرابيكا”، ومستشارا علميا لمكتبة الكونغرس بواشنطن.
شغل منصب عضو في مجلس إدارة معهد الدراسات الإسلامية في لندن.
عمل الدكتور أركون مدة أربعين سنة على مشروع نقد العقل الإسلامي ، وهو مشروع تاريخي وأنثروبولوجي في آن معا، يثير أسئلة أنثروبولوجية.
رأى أركون أن الأصول الفقهية التي أوجدها علماء المسلمين بعد ظهور الإسلام، جسدت في القرون الأولى عنفوان العقل الإسلامي وقدراته. لكن هذه الأصول بعد ذلك ظلت مقدسة لا سبيل إلى تغييرها بفعل الظروف التاريخية والاجتماعية. هكذا حاول أركون البحث عن فهم جديد للنص الديني الإسلامي.
في مسعاه هذا، ألف أركون كتبا عديدة، وكتب محمد أركون كتبه باللغة الفرنسية أو بالإنجليزية وتُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات من بينها العربية والهولندية والإنجليزية والإندونيسية ومن مؤلفاته المترجمة إلى العربية:
الفكر العربي؛
الإسلام: أصالة وممارسة؛
تاريخية الفكر العربي الإسلامي أو "نقد العقل الإسلامي"؛
الفكر الإسلامي: قراءة علمية؛
الإسلام: الأخلاق والسياسة؛
الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد؛
العلمنة والدين: الإسلام، المسيحية، الغرب؛
من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي؛
من فيصل التفرقة إلى فصل المقال: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟؛
الإسلام أوروبا الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة؛
نزعة الأنسنة في الفكر العربي؛
قضايا في نقد العقل الديني. كيف نفهم الإسلام اليوم.
يدعو أركون إلى تفكيكك الخطابات التقليدية، وينتقد المنهج الاستشراقي الكلاسيكي متمثلاً في المؤرخ كلود كاهين، الذي يعتبر من رموز هذا المنهج.
يناقش موضوع الأصولية والصراع مع الغربي والعولمة

****
الدكتور مصطفى الشويمي
مفكر فرنسي مصري الأصل له عدة دراسات فكرية وأدبية ولغوية.
حقق كتاب "الموجز في النحو: لأبي بكر محمد بن السِّري بن سهل، المعرف بابن السراج، وهو من مشاهير النحاة وأئمة الأدب في بغداد ، و يعد كتابه الموجز هو أول كتاب جمع أصول العربية معتمدا على كتاب سيبويه ، مختصرا مسائله مرتبا أبوابه أحسن ترتيب ، معولا على مسائل الأخفش والكوفيين ، مخالفا أصول البصريين.
كما ألف مصطفى شويمي (المعجم الكامل - فرنسي عربي) مع المستشرق الفرنسي ريجيس بلاشير (1900-1973) المتخصّص في مجال الإسلاميات، ودرس النصوص التأسيسية بمنهج تاريخي-نقدي، بعد أن بدأ مسيرته برسالة دكتوراه عن أبي الطيب المتنبي، وأتبعها بتاريخ كامل للأدب العربي في ثلاثة أجزاء، بالإضافة إلى منهجَيْن، مختصر ومطوَّلٍ، لدراسة نَحْو الفُصْحى. لكنه صبّ كل ذلك لاحقاً في مجال الدراسات القرآنية بما اعترضه فيها من رهانات واجهها في مجالَيْ الترجمة والنقد.
كما حقق الدكتور مصطفى الشويمي كتاب " الفهرست " لابن النديم محمد بن إسحاق المعتزلي.
وله كتاب "الأفعال في القرآن الكريم أصولها وصيغها" نشر في باريس 1960 باللغة الفرنسية.
كما حقق وقدم لكتاب (الصاحبي) في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها لابن فارس أبي الحسين أحمد بن زكريا بن محمد بن حبيب الرازي.

****

بدأت المناقشة عند الساعة العاشرة صباحا و انتهت منتصف الليل تقريبا.
تحدث الدكتور محمد المختار ولد اباه مدة ٤٥ دقيقة حول الأطروحة والمواضيع التي يتحدث عنها عادة المترشح ، ثم فُتح النقاش..

تحدث شارل بيلا مدة ساعة كاملة عن الموضوع و عن الاطروحة و أشاد بها على جميع المستويات و خاصة ما يتعلق بترجمة النصوص الشرعية المعقدة ودقتها ربما كان ذلك "فراسة" منه لمشروع ترجمة القرآن الكريم الذي أنجزه الدكتور محمد المختار لاحقا.

وتحدث روجيه أرنالديز و قال إن الأطروحة هي في الحقيقة نواة لعمل موسوعي ضخم حول تاريخ التشريع في موريتانيا و في شبه المنطقة بصورة عامة.

الدكتور محمد أركون أشاد بالأطروحة و تحدث عن قضية منهجية تتعلق بالتأريخ و هل يجب ان يبدأ الباحث من الحاضر رجوعاً للمراحل السابقة أم من الماضي إلى الحاضر.

من طرائف المناقشة أن ارنالديز قال لأركون إنهما تبادلا الأدوار و أنه هو مشهور بلباقته خلال المناقشات و العكس بالنسبة لأركون إلا أنه تفاجأ أن اركون هو الذي أشاد و شكر و أنه هو تساءل و لاحظ بالتفصيل على غير عادته.
أجاب أركون أنهما كانا صادقين و عادلين في مواقفهما.

أفاد الأستاذ محمد ولد مولود ولد داداه بأن أركون حدثه بعد المناقشة بفترة عن العمل وضرورة نشره و التعريف به.

تقرير لجنة المناقشة يكون سريا حسب العادة إلا إذا طلبته الجهات الرسمية وقد طلبه الأستاذ أحمد ولد سيدي بابَه لما كان وزيرا و أرسلته الجامعة له.

لم يتم نشر الأطروحة كاملة و الكتاب المتداول المطبوع في تونس أقل من نصفها و تم اختيار الصيغة الحالية تسهيلاً للنشر و القراءة و التداول.

نشر الفصل الأول منها بعد نقاشها في مجلة (أرابيكا - Arabica) التي أسسها المستشرق الفرنسي إفاريست لافي بروفنسال وكان يشرف عليها جيرار لوكونت.

طيلة السنوات الخمس لتحضير الأطروحة لم تتوقف عملية الإعداد يوماً واحداً ، وتمت كتابة نصها و قراءة مراجعها ومناقشة مصادرها مع عدد من علماء البلد.

كامل الود

 أهل الشمعة




ساق الشيخ سيدي بن ببكر التندغي الحلّي، حلائب عنده من الإبل (اشوايل) ورثها عن والده الذي توفي عنه طفلا، وكان يناشد طيلة طريقه من مكان انطلاقه كل شيخ بأن (يوصله) إلى النبي صلى الله عليه وسلم وله تلك النوق، حتى وصل إلى أهل الشيخ القاضي.

بعد صلاة العصر وقف الشيخ سيدي بن ببكر، في المسجد أمام الشيخ المصطفى بن الشيخ القاضي الإچيچبي الآخذ عن والده الشيخ القاضي عن الشيخ سيد المختار الكنتي.
قال سيدي مخاطبا الشيخ المصطفى:
"وجهتلك النبي ﷺ وصلني بيه ﷺ"..

أسقِط في يد الشيخ المصطفى والتفت إلى إمام المسجد شيخ (محظرة الكحلاء) العلامة محمد محمود بن حبيب الله الإچيچبي (ديد) وسأله عن الأمر؟
قال الشيخ محمد محمود: حدْ وجّهلُو حدْ النبي ﷺ إفْغايَ ألّا إعدّلهالو.

قام الشيخ المصطفى إلى الشيخ سيدي و(گرمَصَه) فخرّ صعقا وغاب عن الوعي.
ظل سيدي غائبا عن الوعي حتى صباح الغد حين ركله الشيخ القاضي قائلا: گومْ كافيك من إضاعة لوقات.
نهض الشيخ سيدي وكان ماكان..

رجع الشيخ سيدي بن ببكر إلي أهله فأخذ عنه ابن عمه الشيخ محمد عبد الرحمن بن محمد السالم التندغي الحلّي، ولزمه حتى صدّره، وكان يقول له: ارجع عني فقد أخذت ما عندي وزدت.

توفي الشيخ سيدي بانوللان، ودفن عند بوتافراوت قريبا من مقبرتها إلا أن الطريق الرابط بين انواكشوط وروصو يفصل بينهما.

انتقل سر الشيخ سيدي إلى الشيخ محمد عبد الرحمن فكان شيخ "الشمعة" كما سميت طريقته لسرعة انتشارها بين الناس فقد طبقت المنطقة في زمن قياسي.
عرف أصحاب طريقة "الشمعة" بشدة الجذب والشطح وانتشرت كالنار في الهشيم.

يوصف الشيخ محمد عبد الرحمن بأنه شيخ [الشمعة] وبأنه كان قطبا كاملا، وكان تلامذته يذكرون الله جهرا رجالا ونساء.
وكان في كلامه ما لا يفهمه أهل العلم الظاهر، ولذلك لقي إنكارا شديدا من بعض العلماء ، وكان العلامة القاضي محمذن فال بن أحمدُّو فال (يحيى) يقول:
الأمر لايخلو من إشكال ، فأصبحت مثلا يضرب لكل أمر مشكل في ظاهره.

و كان العلامة باب ولد الشيخ سيديا من أبرز المتصدّين لأهل الشمعة ،ومما قال فيهم:
كن للإله ناصرا :: وأنكر المناكرا
وكن مع الحق الذي :: يرضاهُ منك دائرا
ولا تعدّ نافعا :: سواءَه أو ضائرا
واسلك سبيل المصطفى :: ومت عليه سائرا
فما كفى أولنا :: أليس يكفي الآخرا
وكن لقوم احدثوا :: في أمره مهاجرا
قد موّهوا بشُبهٍ :: واعتذروا معاذرا
وزعموا مزاعما :: وسوّدوا دفاترا
واحتنكوا أهل الفلا :: واحتنكوا الحواضرا
وأورثت أكابر :: بدعتها أصاغرا
فاحكم بما قد اظهروا :: فما تلي السرائرا
وإن دعا مجادل :: في أمرهم إلى مرا
(فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا)

ولم يحددهم بالاسم وحين سئل عن ذلك قال: الإجمال من شيم العقلاء.

وذات زيارة لأهل أشفغ الحُمّد (تاﮔنيتْ) للصلح والاعتذار غِبّ نزاع قبلي، سُئل العلامة باب ولد الشيخ سيديّ: ماذا فعلت مع أهل الشمعة؟
أجاب: (مارَدّيْنا امْغِيرْهُمْ) ، أي أنهم مازالوا على ماهم عليه رغم ماوَجّه لهم من أشعار.

وكان الشيخ محمد عبد الرحمن عالما مشاركا، وله تأليف في السهو، وكتاب في الطب كالعمدة، إضافة إلى نظمه الابتلاعية، ونظمه النصيحة.

وقال أوفى بن محمد بن أوفى مقدما لنظمه النصيحة:
قال فريد دهـره وعصره :: ساقي خمور الكرم قبل عصـره
مؤيد الدين مشيد قصـره :: بيـن الورى بمـده وقصـره
أعني به شيخ المشايخ الوفي :: خليفة الهادي بـلا توقـف
التندغي نجل محمد السالـم :: لا زال جـمعهـم بجمع سالــم
يوصي المريدين على طريقهم :: كي يرتقوا بها إلى تحقيقهـم
(أوصيكم يا معشر التلامـي :: وصية النصح اسمعو كلامي)

ويروي تلامذته الكثير من كراماته ومنها رؤيته النبي ﷺ يقظة في مجلس يحيى لمرابط، ذكرها محمدن القاضي في كتابه: التحف والتهاني فيمن شهد من الأكابر للشيخ التجاني قال:
الثامن عشر: الشيخ محمد عبد الرحمن بن محمد السالم، فقد كان شديد المحبة ليحيى ويزوره، وقد قال لهم: إنه سار يوما زائرا له، فلما قرب منه عاينه في جماعة فيها رسول الله ﷺ ، قال: فرجعت خشية أن أكلفه بالقيام إلي .

وقصته مع الشيخ محمدو بن حبيب الرحمن، وذلك أنهما التقيا، وكان للشيخ محمدو ”إلويش‟ كبير، وهو أسن، وللشيخ محمد عبد الرحمن ”إلويش‟ متوسط، فقال الشيخ محمد عبد الرحمن: ”أعط إلويش لكبير للشيخ لكبير، وإلويش المتوسط للشيخ الصغير‟، فقال الشيخ محمدو: كيف نعرف أينا الأكبر، فقال: أمارة ذلك أنك ذهبت إلى المكان الفلاني ورأيت ”إليف ممتدَّ‟ وتذكرت عظمة الله تعالى وازددت في الله، ومُددت باسم، فذلك الاسم أنا الذي مددتك به، وأمارة ذلك أنك ذات مرة أتاك ضيوف ولم يكن عندك زرع، فقلت للخادمة خذي من الملح فصار زرعا، ذلك الاسم الذي استعملته أنا الذي مددتك به، إلى أن ذكر له مسائل متعددة هو يعرفها، فصار الشيخ محمدو ينبش في التراب حتى أثار التراب على الحاضرين فقالوا له: ما هذا ؟ قال: الثور الصغير إذا دخل عليه الثور الكبير شرع ينبش في التراب، وقال له: خذ ”إلويش‟ الكبير، فقال له الشيخ محمد عبد الرحمن :احتفظ بفراش صلاتك، ولكن أردت أن تعرف أني صاحب الوقت وأني بلغت مقاما لم يبلغه إلا سبعة أولياء .

و قصته مع محمد الأخضر الجزائري ، وهي أن محمد الأخضر أتى يبحث عن شيخ الشمعة، فلم يزل يذكر له إلى أن وصل إلى ”انتوفكت‟ فوجد الشيخ محمد عبد الرحمن في الحيوان خارج الحي فسأله عن شيخ الشمعة، فقال له: إن كنت تبحث عن الصورة فهذا ”الراجل لخظر إلماهُ اطويل‟ وإذا كنت تريد الحقيقة فسترى عجبا، فقال له: انتي هي ضالتي، وكان في كلامه عجمة.
فذهب معه إلى الخيام، ولم يزل معه، وعنده خيمة ليست كالخيام المعهودة أقرب ما تكون إلى (أﮔيطون) وعنده ناقة ليست كإبل البلد ولعلها من البخت، وكان يحمل معه كتابا يسمى الإنسان الكامل في التصوف، فيه ما يسميه ألغازا لم يفهمها، فلما أقام مع الشيخ محمد عبد الرحمن وحضر عنده ما يعرف بالتذكير في طريقهم؛ حلت له الألغاز التي كانت عنده من خلال كلام الشيخ
.
ويقال في رواية أخرى إن سيدي محمد الاخضر وصل سائحا يسال عن القوم أي "أهل الله" وقد زار فيمن زار الشيخ محمد عبد الرحمن لشدة اشتهاره وظهوره في ذلك الوقت ومكث معه زمنا يتذاكر معه كتاب (الإنسان الكامل) للشيخ عبد الكريم الجيلي، الذي هو مرجع لأهل التصوف عامة وقدحصلت له صداقة حميمة مع أكابر تلامذة الشيخ محمد عبد الرحمن، خاصة الشيخ سيد المختار بن عبد الجليل، لكنه غادر حضرة الشيخ، على طريقته التيجانية ولم يتتلمذ والذي حصل صحبة ومذاكرة ولم يثبت أنه تتلمذ.

وكان مما ذكروا انه كانت عنده ءالات صيد وكان قوي البنية جميل الوجه وله خيمة خاصة "اكيطون" يضربه حيث حل وله صيدح غاية في القوة والسرعة.
زاره العلامة محمد ولد المحبوبي مع رجال من إدوداي فوجوده ينشد:
وإني لأهوى الحشرَ إذْ قيل إنني :: وعفراءَ يوم الحشرِ مُلتقيـانِ

ثم أنشد:
إذا جنّ ليلِي هامَ قلبي بذكركم :: أنوحُ كما ناحَ الحمامُ المطوّقُ
وفوقي سحابٌ يمطر الهم والأسى :: وتحتي بحار بالجوى تتدفّقُ
سلوا أمَّ عمرو كيف باتَ أسيرها :: تفك الأسارى حوله وهو موثًقُ
فلا هو مقتولٌ ففي القتلِ راحة :: ولا أنا ممنونٌ عليهِ فيُعتَقُ

وأنشد الشيخ محمد عبد الرحمن يوما بيتا لابن الفارض هو:
خفف الوطء واتئد يا حاد :: إنما أنــت سائق بفؤادي
فقال: إني أخذت حفنة من التيجانية وأوصلتهم، فسمع بذلك العلويون، فجاءه وفد من أكابرهم فيهم الشيخ عبد الله بن الحاج، فقام بضيافتهم، ثم جاءه موناك بن مبرك فقال: إنك قلت قولا فينبغي أن تأتي بالدليل عليه، فقال له. اكتب، فأملى عليه نظمه (الابتلاعية)، فلما سمعها العلويون لم يزيدوا على أن قالوا له: ”ظفِّ حفنتك‟.
وكان الشيخ إبراهيم انياس يلقبه بالقطب التندغي.

وذهب الشيخ محمد عبد الرحمن إلى محمد بن أوفى ، يتداوى عنده، وكان بعيدا من التصوف، فلما جاءه قال له الشيخ: تعال نتسابق، ”داو عني المجبنة‟ وأداو عنك الحجاب، وذات يوم قال لمحمد: إني رأيت في النوم أنك أخذت علي الورد، وأهديت لي الجذعة الوحيدة الذي خلفها عندك "بدمعة"، فتتلمذ عليه وأهدى له الجذعة .

وعندما أراد الرحيل سافر معه، وعظم ذلك على بني ديمان، وكان كل من أتاه يباحثه في ذلك يأخذ عليه الورد ويبقى معه .

يقول في نظمه (الابتلاعية):
ابلع أخي الكـوار والبهموتا :: وقف بجوع مـا رأيت قـوتا
ثـــم ابتلع مــواقــف القيامــةِ :: نيـرانهـما صــراطــها والجنـةِ
وقف بجوع ثم قل هل من مزيد :: ترى مزيد الفرد في نعت العبيد
وليس ذا من نعت الانظراف :: في المحو بل للعكس نعت الشافي
وكونـه بعــدد الأبـواب :: معكوس كل باب غير غـــاب
وكونه تخلقـا وعملا :: في كل ما يكون كان أكملا
وكل وصف نتج العرفانا :: في شكلة البحرين زيد كانا
إن المقــام عدد المقام :: إذ ليس في المقام من مقام

وله:
معرفة الإله صارت حالـي :: تنظرها أوصال في أوصالي
فمن سما إلى الكمال حاله :: وجد كــل مــا يــرى كمالــه

وله:
صاحبه للشرع والحق حوى :: في جمعه وفرقه معا سـوا
والـــغيبة الغيبــة غيبتــان :: فغيبة في الكذب والبهتان
وغيبة في الحق والتداني :: بهـــا تنال وصلة العيان

وله أيضا:
هذا وإن سربـخ العرفــان :: خزينة الحي الفقيه الفاني
يا خائضا في فهم ذي الأبيات :: بفتحات المشكلات هـــات

وله:
لكنه بِدُونِ ذَوْقٍ ما دُري :: والذوقُ يُغني فيه عن مُعَبِّرِ

وله:
هيج شوقي نعم وولعي :: كونك دائما معي معي معي
فما وهى نيلي منك مطلبي :: لكنني بمطلبي لم أقنع
أنت أنيسي إن أكن منفردا :: فــأنـت أنسي بكل مجمع
أنت الذي بك قوام مهجتي :: فأنت مقعدي وأنت مضجعي
وأنت ملبسي حال ملبســي :: وأنت مشربي وأنت مرتعي
وليس لي فيما سواك مطلـب :: يا من إليك ملجئي ومرجعـي

وله:
السير يستقيم للمريـد :: بشطنة المريد بالمجيد

وله:
الشيخ جنبه وكن مجتهـدا :: متى تراه خـارجا متحدا
والبيت جنبه مخافة الـردى :: والحذر الحذر منه أبدا
إلا إذا منك القدوم قد بـدا :: من بعد إذن أو رسول أو ندا
وكن إذا حضرته متئـدا :: والصوت دعه دون صوته مدى
لقوله عز وجل سرمـدا :: لا تدخلوا بيت النبي أحمـدا
لا تحبطوا أعمالكم يابن أدا :: كنت لكم منبهـا ومرشدا

وله أيضا:
والسير والترقي والعرفان :: والوصل في مذهبنا أركـان
والفضل في الدرج والتدلـي :: هي ألف حال قد تكون للولي
في القرب من خالقنا الكريم :: ذا القرب في نعيمه المقيم

وله أيضا:
لا طيب للعيش مع الحجاب :: إن الحجاب هامة العذاب
وليس مع زواله مـن نكد :: طوبى لمن شاهد سر الأحد

وله في لغنَ
مارتْ عنِّي مانِ منكمْ :: وانَ منكمْ فِيكُمْ سَاعِي
انعاملكم راﮔدْ عنكم :: وانعاملْ مــلانَ واعِي

ويقول:
الوصول اﮔفال اتمرزيـه :: مــا يفتحهم مريد إديـــد
لهو واوساخ واطمازيــه :: ما يمسحمهم شيخ امن ابعيد

ويقول:
الرجال كله جاي كارد ميل :: فيه متفاوتين شـــــاي
بين إلِّ إبات قايم الليـل :: وإلِّ إبات قايم اتــاي

ويقول:
المشيخَه حل الشكلات :: واستلميد اخلاص التوحيد
والباس المشيخَه ما فات :: امكِنْ منّو بل استلميـد
كذبَ ماهِ گد الكذبات :: وافطن عنه ضلال ابعيـد

ويقول:
يلِّ عمرك فاتْ افشربَ :: وافْ وَكْلَ دونْ افتيحْ اطريگ
گلبك يلخُو گلب انبـبَ :: واذكارك يالصيد انهيگ
(”انبب‟ بتفخيم الباءين: الحمار باللهجة البولارية).

ويقول:
وادْ الولي ما يندخَلْ :: ولْ دخل هاك اخبارُ
يتنافس لُو نمل ادْخَلْ :: أفغارُ تگدي نارُ

ويقول :
راجِلْ شَباشْ :: بَالله ؤراهْ
نِكْريهْ ابَّاشْ :: ماطارْ اغْراهْ
( اغْراهْ ) بِترقيقِ الراءِ

وله يقول:
بَحْرْ الْوُصولْ فيهْ عَكْرَ :: وامْواجُو مِتْلاطْمَ تجْري
رَصْفْ الْفَوْقْ رِيحْ منْ الوَزْرَ :: طِيحْ افْ لِغْريقْ لا اتْشَفْري
لا ادَّوْرُو ابْذيكْ لخْرَ :: ذيكْ لخْرَ عَنْها مسَگري

لقد صدّر الشيخ محمد عبد الرحمن شيوخا كثيرين منهم:
-الشيخ محمد السالم ابنه .
ومنهم الشيخ سيد المختار بن عبد الجليل التندغي
وكان من أشهر تلامذته وخاض مناظرات كثيرة مع علماء البلد حول المعية وكان من القائلين بمعية الذات ، ومن أبرز من رد عليه العلامة الشيخ أحمد أبو المعالي بن الشيخ أحمد الحضرامي.

-ومن تلامذته المنافحين عنه، الشيخ العلامة محمد عبد الله بن البشير التندغي المالكي الإعديجي
كان من أبرز تلامذته المنافحين عنه ، ومن مؤلفات ابن البشير:
ــ المنزع النبيل في التفويض في آيات الصفات.
- كشف الغمة ومقباس الدجنة في أن المفوض في جميع المتشابه هو المتبع للسنة.
ــ إلجام الأفواه عن أهل الله.
ــ تأليف في التعريف بسلسلة مشايخه في الطريقة القادرية.
ــ رفع العتاب والوزر عن رافعات أصواتهن بالذكر.(نظم وشرح).

ومنهم الشيخ الصوفي ولد البان الذي ازدهرت الشمعة على يده في منطقة چونابة في لبراكنة وچارا چلف في السينغال

ومنهم الشيخ امود بن المختار بن سيد البركني من قبيلة أولاد السيد والتاگنيتي خؤولة ووطنا.
والشيخ سيد بن أحمد خير التاگنيتي .
والشيخ بن ابوه من التاگنيتي .
والشيخ سيد فال من أولاد نغماش.
و محمد بن أوفى الألفغي .
و أوفى بن محمد بن أوفى الألفغي.
و الشيخ الداه بن زايدن الألفغي .
و الشيخ سيد المختار بن ابي الجكني .
و الشيخ محمد بن المحبوبي اليدالي.
والشيخ محمذن ولد سيد أحمد ولد بگي الديماني الفاضلي.
والشيخ محمد الأخضر الجزائري.
والشيخ محمدالحسن بن الطالب أعمر البصادي
و الشيخ محمد الأمين بن الشيخ المعلوم البصادي .
والشيخ لمرابط عبد الفتاح التركزي .
و الشيخ محمد الملقب "باب خي" التندغي المالكي.
و الشيخ الواثق ولد المختار التندغي المالكي .
و الشيخ أحمد بن أحمد ميلود التندغي الشگاني
و الشيخ سيديا بن الخراشي التندغي .
و الشيخ المصطفى بن الخراشي التندغي .
والشيخ محمد يحظيه بن العباس التندغي المالكي.
والشيخ ببكر بن جمال التندغي من الشگاني..
و الشيخ محمد أحمد بن محمذ بن لعبيد التندغي

توفي الشيخ محمد عبد الرحمن عام 1330 هـ - 1912م ودفن في انتوفكت، وقد أرخ لوفاته تلميذه أوفى بن محمد بن أوفى بقوله:
في "شلس" من هجرة الممدوح :: توفي الغوث أبو الفتوح
محمد نجل محمد السالم :: ما في الدنى كعلمه من عالم

وقد رثاه الشيخ محمد الأمين بن الشيخ المعلوم البصادي بقوله:
الشمس يا أهل (ذات الشمس) قد كسفت :: وبعدها البدر ذا من أعظم الضـرر
الشيخ شمس الهدى وبنته قمر :: صلوا لأجل كسوف الشمس والقمر

كامل الود

  / ومن باب المداعبة، والشيء بالشيء يذكر كان الشريف عبد القادر رجلا صالحا، وكان يفرض على الناس (فِفتنًا) يهدونه له، والفِفتن قطعة نقدية كانت...