السبت، 19 أغسطس 2017

الريف


مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي ضرب القحط البلاد وقف المطر فصوّح النبت ونفقت الماشية، صاحب ذلك تدهور متلاحق في الوضع الاقتصادي و المالي للدولة، مشاريع تتعثر ومديونية تتزايد وأرصدة تتناقص لحد ينذر بالافلاس، كان أهل الريف الأتعس بعام الرمادة ذلك في سنيّ يوسف تلك.
في أكتوبر سنة 1985 عقد مؤتر للشباب في العاصمة انواكشوط شاركت فيه ولايات الوطن وكتب له الأديب والشاعر الكبير محمدولد بدِّي ولد مامون قصيدته الرائعة التى استنهض فيها الهمم وحث فيها على مد يد العون لأهل الريف:

ماذا سأكتب أين الحبر والقلم :: ماذا تضيف موسيقى الشعر والنغمُ
هل في القصائد تعبيرٌ ومنفعة :: أم القصيد بداء العيّ متهم
ماذا سألقي وهذا الجمع مكتمل :: ماذا أدبج لما رفرف العلم
قدجئتُ من باطن الصحراءِ مُتَّشحا::بؤسَ الصحارى،وحربُ الفقرِ تحتدمُ!
أزفُّ للجيلِ وردَ البرِّ زنبقة :: فساءلتني الرُّبى هل يُزْهرُ العدمُ?
فقلت في خجل مما تسائلني:: يا كعبة العز ها قد أثمر الكرم
أين الشهامة ؟ أهل الريف تجمعنا :: بهم علائق منها الدين والرحم
في الريف كوخ وأطفال وعائلة :: والكوخ بالهَبَوات السود يرتطم
في قعر فيفاء لا ماءٌ ولا شجر :: ولا غذاء، ولا إبل، ولا غنم
أنَّى نظرتَ فأكوام ومقبرة :: كأن عادا هنا، أو ها هنا إِرَم
شلوٌ .. بقايا .. وعيدان مكسرة :: تنعى النبات، وموج الرمل يلتطم
ووالدُ الأسرة المنكوبُ يبحر في :: تلك الرمال، وخلف الجذع يعتصم
يرجو شرابا فلا تلقى أصابعه :: حتى يكرّ على أطفاله اليُتُم
وتسقط الأم فوق الوحل باكية :: مصيرَ زوج، ومتن الظهر منقصم
قد حوصرت في سراديب مُزلزلة :: أَنَّى لها في الثرى أن تثبت القدم
وحولها طفلة تبدو مفاصلها :: من تحت جلد براهُ البؤسُ والسقم
كأنما حُنطت في مصر مذ زمن :: في عهد فرعون لكن ما لها هَرم
يسيل فوج الرزايا في محاجِرها :: دمعا تجنُّ به النيران والحمم
والشيخ يربض صرحا خلف محظرة :: يزاول العلم في عرنينه شمم
لم يبق منه سوى عقل وجمجمة :: رمز الصمود لعل الجرح يلتئم
والناس من حرج الإخفاق في هرج :: سيان في عقبات العيش كلُهمُ
هذا قضاءٌ من الرحمن نقبله :: لكن، ألم يأن أن تستيقظ الهمم
نضارة العشب إن زالت وإن نضبت:: فلا يجوز هنا أن تنضب القيم
عام الر مادة في الآذان ضجته :: لم يكتنز حين ذاك التبر والنعم
في أمة آمنت بالله واعتصمت :: بحبله ولنعم الحكم والحكم
كان التآزر في الضراء مذهبهم :: وبالتكافل يحي الفرد والأمم
وخير مالِكَ إنفاقٌ يغاث به :: جِلْد تصحّر، كفّ ضارعٌ وفم
والكل في ماله راعٍ ومختبَر ::هل يكفرون بها، أم تُشْكَر النعم
هل يستوي مُشتهي ريح الرغيف ومن:: دارت على رأسه الكاسات والخدم؟
يختال في ثوبه من جهله بطرا :: والصدر يرجف والأنفاس تزدحم
كأنه ملكٌ في ثوب غانية ::ما هكذا كان يُرعى العهد والذمم

كامل الود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  / ومن باب المداعبة، والشيء بالشيء يذكر كان الشريف عبد القادر رجلا صالحا، وكان يفرض على الناس (فِفتنًا) يهدونه له، والفِفتن قطعة نقدية كانت...