السبت، 7 سبتمبر 2019

Dreams from My Father



كنت أقرأ رواية "أولاد حارتنا" وكنت وحدي وكان الوقت هادئا على الشاطئ..
كنت أسمع صوتا بعيدا لمساكين يعملون في البحر يغنون على سطح سفينة تمخر بهم ذلك العباب..
انقطع الصوت بعدما أوغلوا في البحر.. شريط من بوكي وديمي رحمهما الله يدور، غنت فأطربت وحكى فأشجى، وضربت بأناملها على آردين في مقام لبتيت فأشعلت الحرائق في دمي..
سكت الشريط فنزعت سبابتي من وسط الرواية المطوية، فتحتها وطويت الدجى أقرأ منها، أخذتني لعوالم أخرى و كنت أفهم النص على ظاهره لم أجهد نفسي بالتأويلات فأنا إنما أقرأ أدب الرواية ليس إلا، طفقت أقرأ وحين وصلت:
".. وخيل إلى أدهم أنه يسمع وقع أقدام ..
أقدام بطيئة وثقيلة استثارت ذكريات غامضة كرائحة زكية مؤثرة تستعصى على الإدراك والتحديد..
حوّل وجهه نحو مدخل الكوخ فرأى الباب يفتح، ثم رآه يمتلئ بجسم هائل، حملق فى دهشة، وأحدّ بصره فى أمل يكتنفه يأس، وندت عنه آهه عميقة، وصاح:
أبى!
وخيل إليه أنه يسمع الصوت القديم وهو يقول:
مساء الخير يا أدهم..
فاغرورقت عيناه، وهم بالقيام فلم يستطع ووجد غبطة وبهجة لم يجدهما منذ أكثر من عشرين عاما.."

طويت الكتاب وانتصبت قائما وكدت أصيح أنا أيضا في ذلك الدجى: أبي!
خيل لي برهة أني في معية أبي، دارت بي الأرض ووعاودني الحنين
كم هي حارقة لوعة الفراق:
مضَى طاهر الجثمان والنّفس والكرَى :: وسُهدِ المنى والجَيبِ والذيلِ والرُّدنِ
فيا لَيتَ شِعري هل يَخِفّ وَقارُهُ :: إذا صَارَ أُحْدٌ في القِيامَةِ كالعِهْنِ
وهلْ يرِدُ الحوْضَ الرّويَّ مُبادِراً :: معَ النّاسِ أمْ يأبَى الزّحامَ فَيَستأني
حِجىً زادَهُ من جُرْأةٍ وسَماحةٍ :: وبعضُ الحجى داعٍ إلى البخلِ والجُبنِ
هنيئاً لك البيت الجديد موسداً :: يمينك فيه بالسعادة واليمن

أماتَ أَبوك؟ ضَلالٌ! أنا لا يموتُ أبي
ففي البيت منه روائحُ ربٍّ.. وذكرى نَبي
هُنَا رُكْنُهُ.. تلكَ أشياؤهُ تَفَتَّقُ عن ألف غُصْنٍ صبي
.. ونَظَّارتاهُ.. أيسلو الزُجاجُ عُيُوناً أشفَّ من المغرب؟
أجولُ الزوايا عليه، فحيثُ أمرُّ .. أمرُّ على مُعْشِبِ
أشُدُّ يديه.. أميلُ عليهِ أُصلِّي على صدرهِ المُتْعَبِ
أبي.. لم يَزلْ بيننا، والحديثُ حديثُ الكؤوسِ على المَشرَبِ
يسامرنا.. فالدوالي الحُبالى تَوَالَدُ من ثغرهِ الطَيِّبِ..
أبي خَبَراً كانَ من جَنَّةٍ ومعنى من الأرْحَبِ الأرْحَبِ..
وعَيْنَا أبي.. ملجأٌ للنجومِ فهل يذكرُ الشَرْقُ عَيْنَيْ أبي؟

يخلق الآباء لحظات من الفرح والسعادة والحب والحنان في حياتنا ثم يختفون مخلفين وراءهم الكثير من الحزن واللوعة والأسى واليأس،..
وبقدر الحزن المسافر في نفوسنا المكتوية بنار الغياب ترتسم أمامنا ملامح لم تغب من أنس خلقه الماضون، فتند عنا آهات تتحول نصوصا نكتبها بالضوء عن ذلك الألق ومديحا له وأسفا على غياب صانعيه.

كامل الأسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  / ومن باب المداعبة، والشيء بالشيء يذكر كان الشريف عبد القادر رجلا صالحا، وكان يفرض على الناس (فِفتنًا) يهدونه له، والفِفتن قطعة نقدية كانت...