الأربعاء، 30 أغسطس 2017



مجلس جمع أفلاذ كبد المنتبذ القصي من كبار المفكرين والكتاب:

محمد ولد مولود ولد داداه
محمذن ولد باباه
باب ولد اسويدات
محمد فال ولد أحمد ولد اباه
الحسين ولد محنض

وحدّث الحسين ولد محنض -والشيء بالشيء يذكر- أن باب ولد اسويدات حدثه بحادثة جرت له مع العلامة المؤرخ المختار ولد حامد.

فبعد وفاة العلامة القاضي اميي ولد ببها، يبدو أن المختار ولد حامد كتب بيتين يواسي بهما النيّ في وفاة الدها اميي رحم الله الجميع.
كتب البيتين في ورقة و وضعها في ظرف واتجه إلى گراج المذرذرة يبحث عن من يحمل الرسالة إلى النيّ، فوجد الوجيه والمؤرخ العلبي بابَ ولد اسويداتْ.
طلب المختار من بابَ الانتظار، واتجه إلى دكان قريب واشترى ظرفا جديدا، فتح الظرف القديم وأخرج الورقة وكتب بيتا ثالثا و وضع الورقة في الظرف الجديد وسلمه لباب.

وصل باب ولد اسويدات إلى ابير التورس، وسلم الرسالة للنيّ وكان مكتوبا فيها:

إن تُصْبحِ النَّيَّ جذلى النفسِ بَعْدَ مَـيَـيْ :: فلا نبالِي إذن في أنْ نزورَ عُلَيْ
لمْ يُبكِهَا وحدَهَا ذاكَ الْمُصَابُ فقدْ :: أبكى الزوايا وأبكى مغْفَرَ بْنَ أدَيْ
إنْ تصْبِرِ النَّيَّ نَصبِرْ كلُّنَا وإذا :: لمْ تصْبِرِ النَّيَّ كانَ الصبرُ أصعبَ شَيْ

التفتت النيَّ إلى باب وقالت له هذا البيت سهمك أنت من الأبيات:
لمْ يُبكِهَا وحدَهَا ذاكَ الْمُصَابُ فقدْ :: أبكى الزوايا وأبكى مغْفَرَ بْنَ أدَيْ

ومن المعروف أن قبيلة (لعلبْ) العربية من ذرية مغفر بن أديْ.

كامل الود

الثلاثاء، 29 أغسطس 2017

ندوة المستمعين



برنامج من الزمن الجميل يوم كان الراديو سيد الفضاء السمعي، في عالم ما قبل الفضاء البصري وعهد السماوات المفتوحة.
كانت أجهزة التلفزيون محدودة وجلها بالأبيض والأسود، وكان تلفزيون السنغالالوحيد المتاح ويلتقط بالهوائي وكان رديئ الجودة، وربما حدثنا أحدهم حديث آحاد أنهم في مدينة نواذيب يلتقطون بعض القنوات الإسبانية.
كانت البي بي سي مع صوت أمريكا مصدرا مهما للأخبار، وكانت بها مرافئ يأوي إليها طلاب الثقافة والمعارف، وبها واحات يتفيؤ ظلالها طلاب المتعة والتسلية والمعلومة العامة، ومن تلك الواحات "ندوية المستمعين".

بعثت مرة برسالة إلى البرنامج
 BBC World Service PO Box .. Bush House
القسم العربي "برنامج ندوة المستمعين".
وضعت طابعا بريديا على ظرف الرسالة وقذفتها في جوف تابوت بمصلحة البريد، قذفها التابوت في يمّ بحر الظلمات في المنتبذ القصي وطار بها طائر بجناحيه ليلقيها بساحل نهر التايمز في لندن ببلاد الروم.

انتظرت أياما ولياليّ، في كل مرة يبدأ البرنامج ويصدح المقدم رشاد رمضان بصوته الجميل:
ندوة المستمعين لقاء يومي، مع رسائلكم، مع أفكاركم، مع اقتراحاتكم وخواطركم مع المستمع العربي في كل مكان، ومعكم في هذا البرنامج رشاد رمضان..
تذاع جميع الرسائل والأفكار والخواطر ولا أثر لأفكاري تلك التي كانت عظيمة في نظري.
وأخيرا جاء اليوم الموعود وتمت إذاعة رسالتي وجاء اسمي قادما من خلف الغيوم عبر الأثير مخترقا ضباب لندن إلى "تلمايتْ" المنتبذ القصي، لم تسعني الفرحة يومها.
انتهى البرنامج :
شكرا لأنك كتبت إلينا وشكرا لأنك استمعت، إلى اللقاء مع تحيات
فاروق سامية ممدوح رشاد عفاف..

 رحم الله (سانيو) العود

جبل التوباد حياك الحيا :: وسقى الله صِبانا و رعى
فيك ناغينا الهوى فى مهده :: و رضعناه فكنت المرضعا
وحَدونا الشمس فى مغربها :: وبكرنا فسبقنا المطلعا
هذه الربوة كانت ملعبا :: لشبابَينا و كانت مرتعا
كـم بنينا مـن حصاها أربُعا ::  و انثـنـينا فمَحَونا الأربُعا
وخططنا في نقى الرمل فلم ::  تحفظ الريح ولا الرمل وعى
قـد يهـونُ العمر إلا ساعة :: و تهونُ الأرض إلا موضعا


كامل الود

الأحد، 27 أغسطس 2017

تبجيل 


تعليقا على (تدوينة التبجيل) بعث إلي الأديب النابه الشاعر والصحفي الأخ منير ولد إخليه Mounir Ikhallih​ بأبيات ما يسرني أن لي بها حمر النعم، وطلب إضافتها للتدوينة، فرأيت أن الأبيات من حقها أن تفرد لها تدوينة خاصة بها.

كتب الأخ منير:

السلام عليكم ورحمة الله.
بعد التحية، أرجو أن تضيف هذه الأبيات إلى نص تدوينة "التبجيل" حتى يكتمل الخمس:

تنازعت الخمس الفتى إكسَ في لبس :: فقد قيل "من يعقوب مفخرة الخمس"
وقيل يدالي سعيد جليسه :: كما قيل "من ديمان خمسا على خمس"
ونحن نرى كل الذي قيل صائبا :: كما أن إكسا ألفغي ويدمسي

كامل الود

الشيء بالشيء يذكر


تعتبر الجانبه الكحلة أساس الموسيقى الحسانية وركنها الأعظم، وتبدأ هذه الجانبه كمثيلاتها بمقام كر، وانتماس هو دخول كر الجانبه الكحله ومن أشوار انتماس "كر انگافَ"، وهو شوراكحل مشوهد "انتامَ گلبُ ماهُ هون" ومن گيفانه:
ابكيتْ إعل طب المغواس :: البكي الّ ماهُ من دون
والبكي اعلَ حيوان الناس :: ذاك إواسيه ألا گابون

ويقول فيه العلامة الكبير والمؤرخ صالح ولد عبد الوهاب الناصري للفنانه الكبيرة فنانة عصرها الطاهرة منت أحمد زيدان:
ألا لُلال متن الساس :: انتوم يلْ منكم ممكون
انجنْ إلكم واسو ذ الناس :: اتگول إن عالم مجنون

وصالح هو محمد صالح بن عبدالوهاب بن أحمد بن عبدالوهاب الناصري، ولد بمدينة ولاته سنة 1152هـ - 1739م من أبيه عبد الوهاب و أمه عيشه بنت صالح من أولاد لغويزي من قبيلة أولاد يونس، هاجر جده الحاج عبد الوهاب بن أعمر من بلاد السوس إلى أرض تفلالت سنة 955هـ /1548م و كانت آن ذاك قلعة العلم و المعرفة ثم شد الرحال إلى ولاته فصارت مقره و وطنه.
و هو أول من تاب من بني حسان و أول من ذلل طريق الحج إلى بيت الله الحرام.
نشأ صالح في بيئة صالحة وتعلم في موطن نشأته ولاته و من أشياخه الذين تتلمذ عليهم و أجازوه في العلم:
بوب بن أحمد مولود بن الطالب المهاجري وكان من حذاق العلماء بولاته.
والعلامة الگصري بن محمد بن المختار بن عثمان الإيدَيلبي صاحب نوازل الفقه.
والطالب الأمين بن الطالب الحبيب الحرشي شيخ أهل ولاته في العلم و العمل.
ومحمد المختار بن أحمد المعروف بأبتي.
والطالب عبد الله بن الحاج محمد الرقيق العلوشي.
وغيرهم من علماء ولاته، كما درس على علماء الشرفاء بتيشيت مصطلح الحديث حتى نال إجازة السند في المصطلح وفي حفظ و تدريس متني صحيحي البخاري ومسلم.
كما تتلمذ على شيخه الشيخ سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم العلوي، وكانت له صلات بعلماء وأعيان و وجهاء عصره.
وكان قوي الدين راجح العقل حافظا أديبا موسوعيا إلى جانب شغفه بالمطالعة وقوته في المحاجة.
وكان رحالة طوف في البلاد زار أزواد والحوض و أرض ارگيبه وأفل وآفطوط و بلاد الگبلة وآدرار وعدد من بلاد المشرق والمغرب.
عاد بعدها إلى ولاته ليتفرغ لتدوين ما اكتسب من رحلاته من علوم أحوال عصره وأنساب أهل زمانه، تولى القضاء في إمارة أولاد امبارك في بلاد الحوض، وكان المستشار المطاع لأمرائها، والخل المصاحب لأعيان المجلس الأميري.
وقدرجع بعد اشتداد الحرب إلى مدينة ولاتة - كبرى حواضر العلم في المنتبذ القصي آنذاك - قبل أن يطلب منه بنو قومه "أولاد الناصر" الانتقال إليهم قاضيًا، ورئيسًا لهم، ومستشارًا لأميرهم في الشأن العام، و اشتغل بتدريس العلوم و تصنيف مؤلفاته، وتأسيس مجتمعه على التقوى والصلاح وقد تولى رئاسة القضاء.
ويقال إنه ألف زهاء 120 مؤلفا، ومن مؤلفاته :
- الحسوة البيسانيّة في الأنساب الحسانية وعليها مدار التأريخ في المنتبذ القصي والمورخون في المنتبذ عالة عليها
- سرح على ابن بري في المقرأ
- شرح على ورقات إمام الحرمين
- نظم الأوليات
- الأعلام في الأدب والتاريخ
- مقرب المعاني
- شرح على لامية الأفعال
- زخارف السلوك في معرفة الملوك
- أسماء البلدان
 وله ديوان جمعه بنفسه يحوي العديد من القصائد.

ومن شعره قوله في رثاء زعيم أولاد الناصر عثمان ولد لحبيب:
بكتْ عـيـني وحُقَّ لهـا الـبكاءُ :: عـلى عثـمانَ إذ نزل القضاءُ
عـلى عثـمـانَ يبكــي كلُّ فضلٍ :: وتبكـيـه الـمـروءةُ والسَّخاء
فتًى حـاز الـمفـــــاخرَ كلَّ فخرٍ :: وشِيـمتُه القنـاعةُ والـوفــاء
فقـل فـيـه الـمكارمَ والـمعـالـي :: ومـن داء الجهالةِ قـلْ دواء
وكان لدى الغوامضِ خـيْرَ خِلٍّ :: وبحـرًا لا تُكـدِّره الـــــدِّلاء
فـيـا لـيـت الفداءَ له بنفســــي :: ولـيـت النـاسَ كلَّهم فداء
ولو نُعطَى الخيـارَ لما افتـرَقْنا :: ولكـن لا يُسـاعِفُنـا القضـاء

ومن شعره:
الطرف ما وجد الدليل إلى الكرى :: والطيف لم يجد السبيل إلى السرى
شوقي يهيجه الحمام إذا بكى ::: ويزيدني برق الغمام تذكرا
والسيل يجري ضعفه من أدمعي :: والريح تورثني خبالا منكرا
ويقود لي وقت الرواح بلابلا :: ويرد لي ضوء الصباح تحسرا
ياليت شعري أين ليلى هل سرت :: نحو الشواجر أو إلى وادي القرى؟
أم هل ثوت في رهطها من عامر :: أو جاورت صنهاجة أو مغفرا؟
عربية يعزونها في جعفر :: أو مذحج أو في ذوائب حميرا
تطفو وترسب في السراب كأنها :: روض تفتق زهره إذ نورا
زهر تخالف لونه في روضه :: فيخال فيه مدرهما ومدنرا
أو جنة من نخل يثرب أظهرت :: بسرا تخالف أحمرا أو أصفرا
فيها أوانس لا عوانس أسفرت :: عن لؤلؤ أو أقحوان أزهرا
نظموا الجواهر حلية لنحورها :: فغدت تزيد إذا تراها الجوهرا
كم طفلة عربية بهنانة :: في الحي يحسبها المراقب جؤذرا
فيها أميمة كالغزالة حولها :: زاهي الكواكب قاصدات عرعرا

ويقول مفتخرا بقومه "أولاد الناصر":
ألا قل لأرباب الحجا والبصائر :: وأهل العلوم الواضحات الظواهر
بأنا علونا بالإله وأننا :: فخرنا بعيسى وافتخرنا بناصر
وسدنا به أرباب كل سيادة :: وحزنا به قدما جسيم المفاخر
فإن تسألوا عني سؤال تجاهل :: أنا ابن أمير الركب من آل ناصر
مكانتهم من مغفر لا خفية :: وأيامهم مشهورة في العشائر
قد انتسبوا من جعفر لابن زينب :: كما صحح الأعلام أهل الدفاتر
أنا ابن الذي تطوى له الأرض فانبرى :: على عيره يوما لنصرة ناصر
ومن أرضه "والات" راح لـ "تكبة" :: كما في كلام في البرية سائر
وقدما رفعنا في المغارب معقلا :: زمان سليم، أو هلال بن عامر
ومن قبل دوخنا "زناگة" إذ شكا :: لنا منهم "الكنتي" شيخ الأكابر
ومن كان عنا سائلا عن تجاهل :: فنحن عياسات الظبا والمزابر
ونحن أقمنا للحجيج طريقه :: ونحن سننا توبة للمغافر
ونحن حملنا "بارك الله" حسبة :: إلى مكة الغرا وتلك المشاعر
ونحن ليوث الحرب في كل مشهد :: تدور رحاها بين تلك المقابر
وبالمحرقات المرديات بروقها :: صواعقها من مرديات العساكر
نقطع أعناق الكماة لدى الوغى :: ونضرب رأس الفارس المتجاسر
فأي فريق ما قتلنا سراته؟ :: وأية أرض لم نطأ بالحوافر؟
فصالحنا إن دان لله صالح :: وطالحنا حتف لأهل المناكر
ومن كان يحجو في المناسب سبة :: فإنا فخرنا بالقرون الغوابر
ولسنا كمن دانوا لحرب "زناگة " :: ولسنا كمن أعطوا جزاءً لقاهر

توفي العلامة صالح رحمه الله سنة 1271هـ - 1855م م و دفن عند أضاة "فات دن" الواقعة بين تامشكط و كيفه على بعد 40 كيلومترا شرق مدينة كيفة.

كامل الود

السبت، 26 أغسطس 2017

مقامة ولاتة



بين يدي المقامة:
الصور من داخل منزل قاضي ولاتة الإمام الطالب بوبكر بن أحمد المصطفى المحجوبي الولاتي رحمه الله.

زار العلامة المؤرخ المختار ولد حامدٌ مدينة ولاتة العريقة، وهي إحدى أقدم مدن المنتبذ القصي، وتقع في أقصى الشرق الموريتاني، على بعد مائة كيلومتر من مدينة النعمة.

تنقل المؤرخ الكبير بين ربوع ولاته فزار المسجد العتيق، وصلى في صحنه، ثم زار (اگـدَنُّ)، وهو حي عتيق تدرَّس فيه العلوم الشرعية، وجلس في مجلس "الشفا" حيث كان يجتمع علماء المدينة الخالدة ضحوة كل يوم من رمضان لتلاوة باب من أبواب كتاب "الشفا في التعريف بحقوق المصطفي" للقاضي عياض بن موسى السبتي اليحصبي.

ثم مر على (الظليلة) حيث يجتمع طلبة العلم للتفسير على الشيخ ابَّ ولد شيخنَ محمدي ولد سيدي عثمان التاگاطي، الذي تعد مكتبته من أغنى وأثرى المكتبات الولاتية .

ودخل ابن حامد محظرة (دار التلاميد) الشهيرة التي كانت تحوي ما بين التسعين إلى المائة من طلاب العلم، وتعرّفَ فيها على طلاب شتى قادمين من مختلف أصقاع المنتبذ القصي.

تذوق ابن حامد وجبات "ولاته" الشهيرة مثل وجبة (المونْ و ديْديْ)، وكلمة (ديْديْ) عند الولاتيين تعني (التيشطار المطحون)، أما (المونْ) فهو نوع من لكسور يشابه إلى حد كبير كسرة (Blini) عند الإنجليز.

وشرب ابن حامدٌمن زريگة (دَقْنُ) الصباحية، و(دقنُ) شراب يصنعه الولاتيون من دقيق القمح والذرة، يخلطونه باللبن الرائب البارد، له طعم لذيذ، يجعلك لا تمل من شربه.

زار المؤرخ المختار بن حامدٌ آثار المدينة التاريخية وأضرحة الصالحين وكبراء العلماء والأولياء، بما يشهد للمدينة التي أنجبتهم بعلو الكعب ورسوخ القدم في العلم والفضل.

أُعجِب المؤرخ (التاه) بعادات وأعراف المدينة الخالدة، فكتب مقامته المعروفة بمقامة ولاته:

المقامة:
"المقيم نحو الشهر في ولاته كلامه مفيد* تسبيح وتحميد* وترتيل وتجويد* للقرآن المجيد، وتجديد الفقه والتوحيد* في عقد الأشعري* وفقه مالك* وفي طريقة الجنيد السالك* مبتدؤه السلام* وطيب الكلام* والخبر المتم الفائدة* تقديم سورة المائدة*فاعله على الرفع مبني* وعامل رفعه معنوي* حروف جوابه نعم وبلى* وأفعاله مشتقة من العلى*ماضيه نعِمّا وحبذا* الذين آمنوا واتبعتهم ذرية بإيمان* ومضارعه يأمر بالعدل والإحسان* وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي* وأمره خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين* وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها* مصدره الإيمان والإسلام والإحسان* وأسماء فاعله المسلمون والمسلمات والمؤمنون والمؤمنات والقانتون والقانتات والصائمون والصائمات والصابرون والصابرات* وجمع تكسيره رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله* وجمع سلامته التائبون العابدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر* ومسلمات قانتات تائبات عابدات سائحات*
واسم فعله الدين والاستقامة* واسم صوته الأذان والإقامة* عند قوم همهم الصلاة وأوقاتها* قد شيبتهم هود وأخواتها* أسماؤها معارف* وضمائرها بارزة*
كالياء والكاف من ابني أكرمك :: والياء والها من سليه ما ملك
*مفرده علم* واسم جنسه برّه* ولقبه يشعر برفعة المسمى* وموصوله الرحيم* والمعطوف عليه الفقير* ومؤكده السنة* ومندوبه المندوب* ومناداه الضيف في الشتاء والصيف*
بولاتة الإحسان كل أوان :: متنافَس فيه بغير توان
فيها يقوم على أساس من قِرًى :: عهد وثيق الأصل والصنوان
الشيخ يقري الضيف فيها والفتى :: ويجله العلوي والمرواني
هـ ".

عند مغادرة المدينة الخالدة، اشتد الفراق على المؤرخ، فجادت قريحته بقصيدة طويلة، قال فيها:
بلقيا بني والاتَ تحيى القرائح :: وتمسي رذاياهن وهي صحائح
ولاتةُ نصفٌ الدين والعلم والتقي :: تسيل بتقوي الله فيها الأباطح
أقمت بها حينا من الدهر صالحا :: وقد طاب لي حين هنالك صالحُ
ألا يا اسلمي واحيَيْ ولاتةُ وانطقي :: فموتك رزءٌ يا ولاتةُ فادح
"فما أنا من رزء وإن جلَّ جازع :: ولا بسرور بعد موتك فارحُ"

كامل الود

التبجيل مهزة الكرام


حين قدم العلامة بداه بن البصيري رحمه الله على قبيلة إچيچبَ أكرموا وفادته بما يليق بمكانته، ققال كلمته المشهورة:
 "بجلتموني بجلكم الله".
التبجيل والإكرام مهزة الكرام
ذات مرة في مسجده العتيق بلكصر وأثناء حلقة الدرس  المسائي كان الإمام يجلس على كرسية الأحمر ومع نهاية الدرس، قام أحد الشعار بين يدي الإمام وطفق يثني عليه باطلع زينات من لغن والإمام بداه يستمع ويبتسم مستبشرا والرجل يحكي، ولاحظنا بشر وانشراح الإمام فقد برقت أساريره وتهلل وجهه، خرج من المسجد والرجل يتبعه.

كان الشيخ عبدالله ولد داده رحمه الله تعالى يقول:
شهادة أهل الحق بالحق تشهدُ :: ويُرغب فيها للإله وتُحمد
وأحرى إذا أدى الشهادة عارف :: بصير بمن ضَلُّوا، بصير بمن هُدُوا

وكان العلامة يحظيه ولد عبد الودود (اباه) رحمه الله يستحسن ما يمدح به، ويقول للتلاميذ:
اكتبوا هذا فإنه شهادة أهل الفضل، وذات يوم كان يحظيه يستمع إلى أمداح تلامذته أصحاب العقول الراجحة، فالكل قد أنشده قصيدة أو أبياتا جميلة، التفت أباه إلى تلميذه العلامة أحمدو ولد محمذ فال قائلا:
أحمدو انت احكي ش غالبك اتگول في بيت گريتك وگريتك  وگريتك..
فبات أحمدو سهرانا وعند الفجر جاء برائعته وأنشدها يحظيه في حضرة تلامذته:
بذي المور دور حيها ثم سلم ::عليها ولو هاجت فؤاد المتيـم
وقف سائلا عن من عهدت بربعها :: وخلّ دموع العين تهمي وتنهمي
كمفرية أثئا الخوارز خرزها :: أوالفض من در الجمان المنظم
ديار الذي حاز العلى كامل العلى :: فدتها ديار الحي بالمتلثم
 منار الهدي (أبّاه) من لاح ضوؤه :: لمن كان ذا قلب ومن قلبه عَمِ

كان العلامة الأديب محمدن ولد حمديتْ " إدّنْ " في كل غيبة يرجع بـ " تاسفرة " ملئى بمختلف الحوائج يهدي بها لشيخه العلامة يحظيه بن عبد الودود " اباه "، وذات غيبة لم يجد "إدّنْ " ما يهدي لشيخه فجاءه معتذرا بهذه الطلعة :
يَلِّ ماگـطْ أمنادمْ شادْ :: فالدّنيَ بإعْنادكْ ماعادْ
التَّحتْ، ءُلاَ گطْ أوْخرْ سَادْ :: مَاهُ جَايبْهَ منْ جيهَ
فيهَ عتْ إنتَ وَلَّ زادْ :: اڭـريِّبْ منْ جيهَ فيهَ
يَ مالكْ يَ نافعْ لبْلادْ :: بِشَرْقِـيهَ وغَرْبيهَ
يَ سِبويْهيهَ رفـّادْ :: ثـڭـلتـْه َ يَ جُنيديهَ
يَ حاتم طَيئهَ شَيَّادْ :: إعْدوهَ يَ جَياليهَ
يَ ابنَ مُقلتيهَ في جَادْ :: الخطْ أُيَ سحبانيهَ
يُوفيلكْ يَ ابَّاهْ المُرادْ :: وَيـهْ المِنْيَ لكْ يُـفِيهَ
آنَ جَيْتْ اليومْ إبْلاَ زاد :: محْراگ،ءُ نهْدِ نبغيهَ
وابْلا هَديّ فامْجِيَّ :: خاطِ ذِ الطلعَه نهْديَهَ
وابَّاهْ اليومْ الهديّ :: على مقْدارِ مُهْديهَ

فاستحسن اباه الطلعة أيما استحسان قائلا ليتها كانت الهدية في كل مرة

رأيت أحد الشعراء العرب مرة يمدح الملك الحسن الثاني في الدروس الحسنية، وبدا الملك مستبشرا لا تسعه الأرض زهوا وهو يستمع لقول الشاعر: ويا بنت رسول الله ..
وكان ذلك حال الملك حسين بن طلال فقد بدا مزهوا والشاعر الجواهري ينشده:
يا سيدي أسعف فمي ليقولا :: في عيد مولدك الجميل جميلا
أسعف فمي يطلعك حرا ناطفا :: عسلا، وليس مداهنا معسولا
يا أيها الملك الأجل مكانة :: بين الملوك، ويا أعز قبيلا
يا ابن الهواشم من قريش أسلفوا ::جيلا بمدرجة الفخار، فجيلا

وكذلك حال صدام حين هزه مقطع قصيدة عبد الرزاق فعفا عن عدي:
يامن نفوس العراقيين أجمعُها :: وِقاؤه كيف يرضى الله والمثل
وكيف يا واهب النصر الجميل لنا :: ترضى بذروة هذا النصر ننخذل
أكان هذا امتحانَ الله ؟ نقبله :: لكن معا ، كلنا لله نمتثل
ياسيدي كل نفس قبلك امتُحنت :: حتى الأئمّة والأسباط والرسل
ولم يقل ربُّ إسماعيل خذ دمه :: لكن فداه ألا تفديه يارجل
ماذا يقول العراقيون لو سُئلوا ::ماذا يُقال لصدامَ الذى حملوا
بين الضلوع، ومن أصفاهُمُ دمه :: وحبه وإلى أحلامه دخلوا
هذا الذى ملأت فلاحة فمه :: خبزا ومن كلهم من كفه أكلوا

وأنا أقول زهوا بجلتموني بجلكم الله، كنت غائبا وحين عدت كتبت تدوينة غِبّ العودة بعنوان "العود أحمد" قلت فيها:
عدت إليكم وبي شوق إلى الألق القديم.
أستاذي  Mohameden Ould Sidi Bedena التقط الخيط من حيث انتهيت قكتب مبجلا بجله الله:
يا عائدا و له شوقٌ إلى ألقِ :: لنا اشتياق بكم من العتاب يقي
فإن تصدق نصدق ما تقول و إن :: أغنت شواهد قول منك مندفق
العَود جبَّ الذي قد كان معتلِقا :: بالنفس من غيبة و بالمُنى فثقِ
فالفيس منتكس عفت مرابعه :: فزال ما اعتاد من زهو و من ألق
و عاد للدكس يا إكسٌ فهل ألقٌ :: يعود فيه كما عدتم على نسق؟
عنه ارتحلتمْ و كم باقٍ بمربعه :: يجوس في الدار في حزن و في قلق
لكنما العيب في الباقين ليس بكم :: عيب الديار على من بالديار بَقي!

وذات سمر (مزالت فالدنيَ يدمَه) بجلني فتى الفتيان سليل دوحة العلم والصلاح محنض باب بن محمدا بقوله:
تسائلني إحدى الرعابيب عن إكس :: غراما بما يمليه في عالم الفيس
فــقـلـت لها : هــذا سـؤال جــوابه :: عـسيـر ولـكـن تـطمـئـن له نـفـسي

عندما قرأت البيتين برق في ذهني جواب جاء مقفى وموزونا بقدرة قادر:
لقد أحسن المَبنى محنضُ ولاغروا :: إذا أحسن المعنى محنضُ فتى الخمس
كذلك يأتي الطيب من طيب محتـد :: ويأتي شهيُ التـمر من طيّب الـغرس

 وجاء فتى الفتيان محمد لغظف ولد أحمد ليحول الرتابة إلى أنس وندوة أدبية فقال:
تسائلني حسناء في "تكصِ"عن إكس :: من الجن إكس أم تراه من الإنس
فـقـلـت لها إن الــفـتى ذو طــرائـف :: وعلم بما قد كان يحدث في الأمس
فطابت بـه نفسي مـن الجــن إن غـدا :: وطابت به إن كان من جنسنا نفسي

وقال Ahmed Bed :
إذا اختلف الأقوام في نسبة الإكس :: أقول وليس الإكس من فئة النِكس
ألا إنـنـا للـصنكـه سـوف نـبــيـعـــه :: وذلـك بـيـع قـد يـكـون بـلا مـَكــس

وقالت Bouchra Sarrah :
تفرست في إكس ولست من الفرس :: ولا الروم لكن ما اطمأن له حدسي
ونفسيَ أن الـفيـس من دون نـشـــــره :: طـعـام بـلا مـلـح وتـمـر بـلا دِبـس

وقال أحمدو اجريفين :
فتى أمتع الألباب في الفيس نشره :: بإكسٍ وغذّى الروح في الفيس بالأنس
وتعريفــه أعـيى الأنــام فـــلا أرى :: سـبـيــــلا إليه بالتـقــــصي أو الحدس

وقال Mohammeden Med Ahmedou:
إذا ما بدا إكس فيا حبـذا الفـيـس :: وما الفيس إن غاب الفتى بن الفتى إكس
يعللنــــــــــا بالمستطاب كأنما :: تدار علينا من أحاديثــــه الكــــــــأس
فمن طيبها غار العذيب وبارق :: ومن حسنها يا إكس قد غارت الشمس
فهل أنت من واد بعـبقـر مرتق :: أمَ انــَّـك يـا هــذا الـفتى المــــرتـقي إنـس

وقال محمد المامي أحمدو :
یسائل عنه الشیخ والطفل ذو الخمس :: وعنه الفتاة الخود تسأل في "التکس"
وحـق لـهــم ذاک الـــسـؤال فـــإنــه :: حري بهم أن یسألوا عن فتی الفیسي
فــتـی لا یضاهـی فـي الـعلـوم وإنـه :: لـیعـلـم عـلـم الـیـوم قطعا مع الأمس

وقال سيدي محمد محمد عبد الله(سيدي محمد عبد الله):
يسائلني مَنْ إكسُ قلت مُعَنِّفا ::  وإن كنت من كشف الغطاء لفي يأس -
أتجهل إكسا وهْو من هو شهرة :: عديم نظير مــرهـف الـذوق والـحـس
أديـب أريـب واسع الـعلـم كَيـّـِس :: خـبـيـر بـمـا يجـلو الهـمـوم عـن النفس

وقال ديلول احمد :
لقد أبهرالأشخاص في عالم الفيس :: فتى قد تسمى فيه يا أنت بالإكس
فـتى فـي جمـيع الـعلم حاز مـكانــة :: ورد جميع الـناس عـلما إلى الـدكــس

وقال Sidi Tayib Ould Moujteba:
ألفناكَ يا إكساً عـليـماً مـخضـرمـا :: خبيرا بماضي القوم في الطلل الرمسِ
ولما تـبصـرنا شـجـونـا شـجـية :: تلامس شجو الروح قلتُ بلا لبس
لهذا الفتى شأنٌ عجيب إخاله :: من الجن أحيانا وحينا من الإنس
لقد جدت بالنثر البديع تألـقـاً :: وبالنظم كان الفضل حقا بلا همس
لإحدي الرعابيب التي ساءلت فتى :: "غراما بما تمليه في عالم الفيس"
عزيز علينا أن تـظـل هلامـيا :: فكن صرخة الإنسان في عالم البؤس
وليس بودي أن تكون حقيقة :: فكن عدميا ًفي وجود من اليأس
و كامل هـذا الـود يا إكـسُ مبـتـداً :: إلـيــك وإلا فـالـسفــيــنـــة لا تــرســـي

وقال Abdallah Ould Ismail:
أرى أن إكسا معدن العلم والدرس :: ويصبح في تكريس ذلك بل يمسي
ومـن كـان للأخبار والـعـلـم جامـعا :: فـلا شـك مـن يعـقوب مفخرة الخمس

وقال Hamed Elvalli Elmezrouf:
أتيت بشيء باذخ يا فتى الخمس :: فأنت به حي وإن صرت للرمس
وإبــداعــك الـمـنـثـور درا مـنظـمـا :: يـضيء دياجـير الجهـالة كـالشـمـس

وقالت Sama Rama:
شمائل إكس في الأحاديث والأنس :: تـُنـَبِّئُ عـن قـوم عريـقيـن فـي الـدرس
كريميـن، لا يشقى جـليس بـقربـهم :: فـكم فـيهـمُ مـن نـابـه صائـب الحـدس
لهم في ربى البترا خؤولة ماجـد :: بها أعرقوا في النبل، في الفتية الخمس

وقال Msms Msms
لك الله يا إكسا عجيبا بذا الفيس :: تسطّر من شعر ونثر ومن درس
ومن عبرة التاريخ تروي تراجما :: وتصطاد في صيد النوادر للنفس
فإن كنت من يعـقـوب فرعا ومحـتـدا :: فـإنك مـن ديـمان خمسا على خمس

وقال Ahmed Bedre Moussa:
تفنـن في نـشـر النـوادر إكـسنـا :: وسـلـم ما قـال الـجـميـع بـلا لـبس
على كل حال فهو فـينا مـضمـر :: ستأبى بـه ذبـيان دوما على عـبس

وقال Mohamed Abbad:
تركت لنا مجداً تليدا على الفيس :: تسير به الركبان في وضح الشمس
فــأنــت أديــب شـاعــر ومــؤرخٌ :: وتجلي هموم النفس يا إكسُ أو تنسي
أيا إكـسُ أنت الفـخر في كـل محفل :: وأنـت فـتى الفـتان دوما بـلا "حــسِ"

وقال Med Aly Sidi Brahim:
تقولون شعرا بالبداهة في إكس :: ويعجزكم أن تمسكوه بذي الخمس
وقد أسـتـقـي الإقـرار منه بـشمّـُش :: وذاك بـتلـمـيـح له بـفـتـى الـخمـس
فـدونـكم إكـس تــساوى بـخـمـسـة :: ولـكنـها لـيست مـن الـعـد بالحـس

وقال Enebhani Amghar :
لئنْ فَاتني ماكانَ للقوم بالأمس :: بحقِّ الفتى "إكسٍ" وما كانَ من "إكس"
فـإني عـلى ما دبّـَـجُـوهُ بـحـقّــِهِ :: وما دَبّـَجـوا في الخـمس أبـصمُ بالـخمـس

وقال Garray Ould El Mokhtar:
مـكانُـك إِكـسٌ في القلوب مع النفس :: تُجانسُها والجنس يُتْحَفُ بالجنس
تُـــمَــثِّــل للأخـلاق هـــدي أكـــــارم :: بـأمـثـالهم ذبيانُ تبْأَى على عبس
جـزاك إلـه الـعـرش خـيــر جـزائـــــــهِ :: ووقَّـاك مـنْ ضُـر ووقَّاك مـن بـــأس

و كتب يوسف ءابت
عجبت لهذاالفيس كيف برا حدسى :: وكيف بدا في مقلتي على عكس
وماكنت أحجوا الفيس يحلوا لذى الهوى :: إلي أن سلوت اليوم أنسي بالفيس
به صفحة تسبى القلوب صبابة  :: "محا حبها حب الألى كن بالأمس"
يكللها إكس بن إكس براعة :: فيزهو الذي تملى اليراعة عن إكس
فيلفي بها للأولين محاسنا ::  "تردقلوب المرعوين إلى الدگس"

وكتب عثمان محمد ببانه
أفتش عنه لا أدري لماذا *** كمثل العاشقين نسيت نفســــي
لقد كانت معارفه شمولا *** ومن تلك الشمول ملأت كــــأسي
سألت العارفين بكل فن *** فرد العارفــــون بكـــــــــــل لبـــس
جهلنا من يكون ولو علمنا *** سلكنا في الحياة سبيل اكـــس
فتى في الغيب ألهمه اتصال *** ومن شمس النبوة نور حدس
متى يجلو الغشواة عن قلوب *** ويظهر في السماء ظهور شمس

وبجلني أخي Abdallah Ould Ismail فله مني جزيل الشكر :
تحايا من صميم القلب تهدى = إلى من فاق مكرمة وسادا
ومن هو في التواصل لا يسامى = فكم سلَّى الجميع وكم أفادا
وكم سرد الحوادث مثبتات = فأضحت منه أصلا واستنادا
وكم رفع الثقافة في بلادي = فصان الإرث واحتضن البلادا
فليس يهمنا اسم مستعار = له أم غير ذاك كما أرادا

وكتب Zeky Ahmedou:
أقمت بفيس الإكس دهرا أسائله ... شفى النّفس لا شلّت بربي أنامله
فتى قد سقانا السّلسبيل بحوضه ... تعاف حياض الفيس إلا مناهله
"إذا جدّ عند الجدّ أرضاك جدّه ... وذو باطلٍ إن شئت ألهاك باطله"
وجاءت تيوس الفيس تحذو كحذوه ... فقلت أبت منكم شبيها شمائله

وقال  أوفى عبد الله أوفى
إن رمتَ علما نافعا وثقافة :: وطرافة يا خِلُ هاك نصائحي
صاحب فتى فالفيس قل نظيره ::  يمنحك ذا فادخل عليه وصافح
شيخ الشيوخ الواهبين لعلمهم :: إكس وما إكس سواه بمالح
فأطلب صداقته إذا تظفر بها :: إذ ليس ذاك الاسم فيه بقادح

وكتب إلي من عرّف نفسه بأنه أحد متابعي الصفحة:
يا إكس جئت اليوم بعد نصائح :: أوفى لأجـل صـداقة وتـصافـح
عـلـِّي أفـوز بـرفـقـة وثــقــافـة :: وبجذوة من فيض علم طـافـح
بالشـعر والآداب والطـُّرف التي :: قد أعجزتْ في "الفيس" كل منافح
لا غرو إن نلت الإشادة والرضا :: فلقد غدوت كمثل طيب نافح

وكتبت زهرة الخريف غبّ العودة:
مــرحبار مــرحبا يقــول الـزميل:: قلت مـاذاك؟ قــال جـاء الــــدليل
قلت افـصـح فــقال كـلي سـرور :: بـــزغ الـفجــــر فاستبان السبـيل
صــوب الـنــور للـظـلام سـهاما :: فـــاصـابــتــه فـهـــو الآن قـتــيل
قلت مهــلا إن الخيال ـ زميلي ـ :: لايقيم الجـســـور فـهـــو فضـول
فاحتــواني لما اعــترضت عليه :: بـفـؤاد رحــب وهـــــو يــقــــول:
أكــــدو أن إكــــسَ بـــنَ إكـــسِِ نجل إگرگْ قد حان منه الوصول
فـفـهــمـت الــمـراد كــلا بكـلي :: إن كــلـي مـــن فــــقــده لـعــليـل
مـاعن الـحق حاد وصـفـك هذا :: ولـهـــذا أقـــــول مـــا ســــأقــول:
أجدب الفيس حين اصبح إكس :: لايصـــول فـيه ولـيــس يجــــول
لـكـن إذ عـــاد زال ذلـك كــلا :: فـلـه حــق أن تــشـــــد الـطبــول
هـو مفــتول شـاهنا حـيث كنا :: نشــرب الـشاه والحـديث يطـــول
ريـشـة هــو هــو فـيـنا يــراع :: يـرهف الحــس والحـساب دلــيل
إنـما العـلـم والثـقـافـة وصـف :: حـازه إكــس والــنـدى والقبــــول
لست اسطيع حصر كل حـلاه :: إن حـصــري لـكـلها مــستــحيل
وبالإجمال أكتـفي عند قـولي :: رجـــل هـــو والـــرجــال قـلـيـــل
لا يـعــد للـغـيـاب بــعـد و إلا :: فـستـشكـوه للــــقــــضاة العـقــول
وســلام عـلـيه مــرة أخــرى :: مــرحبا مــثــلمـا يقــول الــزمـيل
/

شكرا لكم جميعا بجلتموني بجلكم الله
الكثير من التبجيل ضاع مع إغلاق الحساب
سأكون شاكرا لمن أعاد إرسال تبجيله من جديد
وعلى الله قصد السبيل
ذكرت كرام القوم فيها تأسيا :: بيگوَ وماليمَ امرؤ يگوَ قلدا

كامل الود

الجمعة، 25 أغسطس 2017

على اللازوردي


من تلك الشرفة المطلة على الشاطئ اللازوردي رأيت المكان يوغل في المساء، كنت أقرأ قصة "paula" للكاتبة "isabel allende" توقفت وأنا أقرأ قولها :
 " إن الأوغاد يشكلون ألذ جزء في الحكايات " وتذكرت بعض مقالاتي واكتشفت أن من ألذ تلك المقالات فعلا هو ذاك الذي تضمن نتفا من سير بعض أعلام الأوغاد في المنتبذ.

أحسست بوجع إنساني لاحدود له وأنا اتابع مع الليندي فصول معاناة ابنتها باولا، فوضعت الكتاب على الطاولة وأرسلت ناظري عبر النافذة نحو الأفق البعيد الذي لاحدود له، في بحر لجي يفصل بيني وبين المنتبذ القصي أرجعت البصر خاسئا وهو حسير لمصير ذلك المنتبذ، الذي أحرق أبناءه اليأس فطوحوا في البلاد تتعاطاهم المنافي.
يقال إن الحكومات الجيدة إذا لم تخلق الوظائف فإنها تخلق الأمل، وبلدنا يخلق البطالة واليأس.

أرجعت الكتاب للمكتبة ووقع بصري على كتاب آخر من أفضل الكتب مبيعا وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، إنه كتاب:
 " أحلام من أبي – dreams from my father "
قصة عرق وأرث – a story of race and inheritance
المؤلف باراك أباما – barack obama
أبحرت مع أوباما في ميلودراما شيقة.

تحدث عن العنصرية ذلك الداء القديم الذي كان السود ضحايا له في أمريكا.
تذكرت المنتبذ حين تحدث أوباما عن أناس من السود لا يقلون في تعصبهم عن عتاة العنصريين من البيض وخُيل إليّ مرة أنه يتحدث عن "بعض رموز إيرا"
فلئن كان بعض البيض عنصريا فإن بعض السود قدم فكرة سيئة عن السود.
من الصور النمطية التي كانت سائدة عن السود أنهم يتعاطون المخدرات ويحترفون النشل (ينتشلون)، يقول أباما:
" نصبح ممتنين للغاية ونحن نفقد أنفسنا في الزحام، في سوق أمريكا السعيد عديم الهوية ولا نستشيط غضبا أبدا مثلما يحدث لنا عندما تتجاهلنا سيارة الأجرة حين تمر من أمامنا، أوعندما تُحكم السيدة في المصعد قبضتها على حقيبتها، ليس هذا لأننا منزعجون من حقيقة أنه على الملونين الأقل حظا أن يتحملوا مثل هذه الإهانات كل يوم من أيام حياتهم، مع أن هذا مانقوله لأنفسنا، ولكن لأننا نرتدي حلة تحمل العلامة التجارية بروكس براذرز، ونتحدث بلغة إنجليزية صحيحة، ومع ذلك يخطئ البعض ويعاملوننا على أننا زنوج عاديون ..
كنت أعلم أنني أقسو على المسكينة جويس الحقيقة أنني كنت أفهمها هي والسود الآخرين الذين كانو يشعرون بما تشعر به، فكنت أرى في أسلوبهم وحديثهم وقلوبهم الحائرة أجراء من نفسي وهذا بالتحديد ماكان يخيفني فحيرتهم جعلتني أشك في معتقداتي العنصرية من جديد .. "

وضعت الكتاب وفتحت شرفة على الروح، نازعتني الأشواق للمنتبذ وتلك حالة إذا اشتد وطؤها عند ناشئة الليل فإنني أجاذب شركها إذا علق الجناح بحكاية لبتيت والتجول في زوايا معانيه، وهنا وجدت نفسي مع الشيخ ولد مكين في نجع من أخواله في "افريگ السودان" ونازلا معه في نجع " چَگْـمَ چُوفَ" وهو نجع يعيش سكانه على السطو.

تذكرت تلك السيدة التي وصفها أوباما في المصعد وهي تحكم قبضتها على حقيبة يدها، وليس الذنب هنا ذنبها ولا ذنب أولئك السود، لكن درج بعض السود على نشل الحقائب فى الأماكن العامة فانسحب الحكم على الجميع، ودرج بعض سكان افريگ السودان على التلحمس على الماشية.

وقد وصف أوباما السيدة وبرّر مخاوفها، ووصف الشيخ ولد مكي الحالة العامة في "افريگ السودان" ونجع "چَگْـمَ چُوفَ":

افريگ السودان المتگاد :: فالتّيْلِيدْ أحْرارْ ءُ عَبّادْ
مرّتْ فيهْ إنَّ يالجواد ::  اثْنيّ ماهِ موصُوفَ
فالشّمّيشْ ءُ مَرْ إنّ زادْ :: اجمل متعدل واخروف
ءُ مرتْ عاگب ذَاك افمِيرادْ :: أسراحُ سِدْسَ ملگوفَ
واسكتنَ منْ جِيهتْ لمْگادْ :: واتْعامَيْنَ، خوفْ الشّوْفَ
واكْتِنْ وَلَّ لخريفْ ءُ عادْ :: امنْ الخيرْ اتْروحْ اظروفَ

شَكّيْنَ عن خلْگ التسياحْ :: واتْنازلْنَ چَگْـمَ چُوفَ
عادتْ تُوغدْ گاع افْلمراحْ :: هاذَ ماهُ لاهِ يَوْفَ

كامل الود

الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

قرية بلا سقوف


في نواكشوط وأنت قادم من مدائن الريح لاشيء يغريك بأحضانه ليمسح عن روحك البؤس والتوتر، طلب مني أحد الإخوة الذهاب معه إلى أحد المقاهي، مررنا على مقهى “ول البو”، لكن صاحبي رأى أن نرتاد مقهى غيره لأن في المقهى من لا تروق له مجالسته، مشيت خلف زميلى ودخلنا "سافانا كافيه" كانت غيوم الدخان تمللأ المكان وصخب أنصار نادي "الريال" يرتفع، يبدو أنها ليلة من ليالي الدربي أو الكلاسيكو.
جلسنا على المقاعد أمام المقهى، كنت انظر لتلك العمارة الشاقولية هل هي من تصيم مهندس معماري أم من إبداعات المالك الرشيد.
الرياح الباردة أمام المقهى ودخول وقت صلاة المغرب جعلانا ندخل إلى باحة المقهى للوضوء والصلاة كان العامل الغيني يصلي على سجادة فناولنا إياها مشكورا.
بدت ملامح ليل المقهى تتشكل، بجانبنا فتيان لايبدو عليهما أثر السفر و لايعرفهما منا أحد، فتاتان خلاسيتان دخلتا وخرجتا، طاولة معدة يبدو أنها محجوزة، ما لبثت أن احتلها رجل غربي مع من يبدو أنها زوجته، شقراء غير مسرفة في اللباس وجلس بجانبهما شابان أسودان ورجل أبيض خمسيني عليه بعض الوقار، وبدا أن الرجل الغربي أحد أباطرة تازيازت جاء في زيارة صحبة زوجته وأن الشابين والخمسيني لهما معه بعض البزنس.
طلبت قهوة وطلب صاحبي عصير برتقال، تهادى إلينا المساء حالما.
أعجبني جو المقهى وانتبهت إلى أننا لا نعرف المقاهي، نحن بدو رحل بصحراء لا تنبت إلا أشجار جهنم، مقاهينا غمامة كلما تبوأ منها جواب الآفاق ظلا للمقيل اضمحلت، المقاهي ترف حضاري لا يعرفه الظاعنون.
يقول الشاعر والاديب بول شاوول إن "المقاهي رئة المدينة".
المقاهي ذاكرة وفضاء للتأمل والبوح والسرد والإبداع ومكان لجس نبض المدينة، وفيها يلتقي الفيلسوف والكاتب والفنان والمخبر والمستحفي باط.
لست من رواد المقاهي لكن أذكر أنني في تسعينيات القرن الماضي سحرني مقهى (باليما) في مدينة الرباط وكان الأنف يعشق قبل العين، لم أكن من رواد المقهى بل كنت عابر طريق أدمن رائحة البن المنبعثة من المقهى فعشقتُ الرائحة، فكنت كما قال الكبير محمود درويش:
"رائحة القهوة عودة وإعادة إلى الشيء الأول، لأنها تنحدر من سلالة المكان الأول، هي رحلة بدأت من آلاف السنين. ومازالت تعود.
القهوة مكان، القهوة مسام تُسرِّب الداخل إلى الخارج، وانفصالٌ يُوَحِّد ما لا يتوحّدُ إلّا فيها هي رائحة القهوة. هي ضدُّ الفطام. ثدي يُرضع الرجال بعيدًا. صياحٌ مولود من مذاق مُرّ، حليب الرجولة، والقهوة جغرافيا."
يقع مقهى باليما على شارع محمد الخامس أمام البرلمان، يحمل اسم الفندق المطل عليه، ويحمل آثار شخصيات من تاريخ المغرب الأدبي والفني ومن أهم زواره تشي غيفارا، لكن نصيبي منه كان رائحة البن التى طالما سحرتني بعبقها رائحا أوغاديا.
في تونس أذكر أنني ذهبت من قلب العاصمة إلى باب ابحر بالمدينة العتيقة، ظلت المقاهي مقهى في رجله مقهى، حتى ظننت أن الناس تسكن المقاهي. وحتى بدت لي المدينة بكاملها وكأنها مقهى كبيراً.‏
شغفتني مقاهي باريس حين تحدث عبد الرحمن منيف عن صديقه عروة الزمان الباهي، يقول منيف:
للباهي علاقات واسعة ومتنوعة، ولكل علاقة مقاهيها، نظرا لاختلاف الأمزجة واختلاف الإقامة، كان يشاهد في مقاهٍ لايعرفها أولا يرتادها العرب، كما أن مقاهي الأصدقاء المغاربة تختلف عن مقاهي أصدقاء المشرق، نظرأ للعادة والمعرفة السابقة، ولذلك يعتبر الباهي أحد الأشخاص القلائل الذين يجمعون الوحدة والتنوع في آن واحد، خاصة وأن علاقاته الفرنسية كانت غنية ومختارة، وكانت في إطار خلق التفاعل بين حضارتين ولغتين وكانت غالبا تتم في المقاهي."
من المقاهي التي قرأت عنها وتمنيت زيارتها مقهى الحافة في طنجة، فمقهى الحافة ليس مقهى عاديا، فهو يقوم على هضبة عالية تطل على مضيق جبل طارق، هذا المضيق المتفرد في خصوصيته التاريخية والجغرافية، والذي يحمل في أعماقه الكثير من الأساطير التي تختلط بالواقع، فينتج كل ذلك سحرا مكانيا من النادر أن يوجد له مثيل في أماكن أخرى في العالم، بمقهى الحافة احتسى ونستون تشرشل ذات يوم فنجان شاي وهو يلقي نظرة على مضيق جبل طارق. وزار المقهى كتاب وأدباء وموسيقيون منهم محمد شكري، الطاهر بن جلون، وبوول بولز، وتينسي ويليامز، وصامويل بكيت، وابنة الروائي الشهير إرنست هيمنغواي، وفريديريكو غارسيا لوركا، و ألبيرتو مورافيا، وفي ذلك المقهي البسيط العريق كُتب الكثير من روائع الأدب العالمي.
كما أني تمنيت الجلوس في مقاهي مدينة أصيلة، المدينة المغربية الصغيرة الغافية على ساحل المحيط الأطلسي، أجلس في مقهى الزريرق، أو مقهى الصيادين مستمتعا بفن الملحون والعزف على الآلات التقليدية وحديث الأدب والشاي الفواح بعبق النعناع.
تمنيت أن أزور مقاهي شارع الحمراء في بيروت مثل الويمبي والهورس شو والكافي دو باري، يختصر شارع الحمراء لبنان بتلاوينه وتعدد أوجهه وثقافته، دور السينما والمكتبات ودور النشر ومحلات الموضة والازياء والجامعات.
وارتبطت مقاهي شارع الحمراء بأسماء معروفة في عالم الثقافة والأدب والشعر من أمثال نزار قباني وأنسي الحاج وأدونيس ومحمد الماغوط وسواهم.
وكم تمنيت أن أزور مقاهي بغداد المنتشرة على طول شارع الرشيد ابتداء من ساحة الميدان إلى الشورجة وسط بغداد، والمقاهي على شارع المتنبي، ومقاهي الكرادة و مقاهي الكاظمية، ومن حيث لقي ذات يوم نزار قباني حبيبته بلقيس على ضفاف الأعظمية، والمقاهي على الجانب الغربي لنهر دجلة بالكرخ:
أستودع الله في بغداد لي قمرا :: بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وبودي لو يودعني :: صفو الحياة وأني لاأودعه
وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى :: وأدمعي مستهلات وأدمعه
في قراآتي طالما أغراني نجيب محفوظ بمقاهي القاهرة، فله عدة روايات حملت أسماء مقاه أحب الجلوس فيها مثل قشتمر والكرنك، ومقهى علي بابا الذي يطل على ميدان التحرير، والذي اعتاد أن يرتاده في الصباح الباكر ويجلس في طابقه العلوي متأملا الميدان الفسيح من النافذة وهو يرتشف قهوته ويطالع صحف الصباح.
وحدثنا محفوظ عن مقاه عديدة مثل الفيشاوي، وكازينو الأوبرا و ريش وكازينو قصر النيل، أما في الإسكندرية فكانت جلسته الأدبية في مقهى بترو أو تريانون، حيث تتحول الجلسة إلى ندوة ثقافية وغالبا ما تضم أصدقاءه "الحرافيش".
مقاهي الشرق القديمة كانت فضاء للكثير من التسليات مثل الحكواتي والأراكوز ولعب الورق و الدومينو وتدخين النرجيلة وسماع الموسيقى، وطالما شحذ الحكواتي الأخيلة في المقاهي وهو يسرد تغريبة بني هلال وحرب البسوس وداحس والغبراء وسيف بن ذي يزن وعنتر وعبلة.
حتى إن مسرحية سعد الله ونوس "رأس المملوك جابر" انبثقت فكرتها من حكواتي المقاهي فهي تستند في بنائها على حكاية يرويها الحكواتي في أحد المقاهي الدمشقية.
كما شكلت المقاهي فضاء لصناعة الثورة والوعي، وحركات التجديد في الأدب والفن.
انتبهت وقد أوغل المقهى في الليل، انفض السامر وعاد زميلي الذي ذهب لإيصال زميل آخر.
لم تعرف انواكشوط المقاهي كفضاء للتنوع الثقافي والسمر الجميل، وأول مقهى عرفته كان مقهى تونس البائس الذي ارتاده الملحدون من أول يوم.
طويت الدجى متذكرا مسلسلا أردنيا قديما كان يبثه التلفزيون الوطني عنوانه "قرية بلاسقوف".

كامل الود

غاب الغناء وحضرت الأغاني 


ذات كتابة من كتاباتي من على اللازوردي علق أحدهم بالقول: أعجبتني كتاباتك لكن أجلك عن سماع الهول، عندها تذكرت گاف (اخريريبَ):
اتعيبنِ هون البظانْ :: بنّي ما وقّرتْ الشيبَ
ونّي نبغِ هول أژوانْ:: "مغلاكْ إعْليّ يعيبَ"

كان لي صديق نديّ الصوت أنشدني ذات أنس بليلة أضحيان ونحن بالبادية نصطلي نارا باليفاع تحرق، أنشدني من قول امرئ القيس:
جزعتُ ولم أجزع من البين مجزعاً::وَعزَّيْتُ قلْباً بالكَوَاعِبِ مُولَعا
وَأصْبَحْتُ وَدَّعْتُ الصِّبا غَيْرَ أنّني::أراقب خلات من العيش أربعا
فَمِنْهُنَّ: قَوْلي للنَّدَامى تَرَفَّقُوا،::يداجون نشاجاً من الخمر مترعاً
وَمنهُنَّ: رَكْضُ الخَيْلِ تَرْجُمُ بِالقَنا::يُبادرنَ سِرْباً آمِناً أنْ يُفَزَّعا
وَمنْهُنَّ: نَصُّ العِيسِ واللّيلُ شامِلٌ::تَيَممَّ مجْهُولاً مِنَ الأرْضِ بَلْقَعا
خَوَارِجُ مِنْ بَرِّيّة ٍ نَحْوَ قَرْيَةٍ،::يجددن وصلاً أو يقربنَ مطمعا
وَمِنْهُنَّ: سوْقي الخَوْدَ قَد بَلّهاالنَّدى ::تُرَاقِبُ مَنْظُومَ التَّمائِمِ، مُرْضَعا

أنا بدوري أصبحت ودعت الصبا غير أنني أراقب خلات من العيش منهن (هول أژوان) فما ينفك يطربني، الليلة لم أجد الهول "ماهُ كرهُو غيرْ اتعسريهْ" وفي غياب الغناء وجدتني أبحر في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ومن الصدف أنني كنت أقرأ عن الشاعر الأخطل، قال جرير: أدركت الأخطل وله ناب واحد ولو أدركت له نابين لأكلني، لقد أعنت عليه بكفر وكبر سن وما رأيته إلا خشيت أن يبتلعني.
وقال الأصمعي: أدرك جرير الأخطل وهو شيخ قد تحطم، وكان الأخطل أسن من جرير، ولئن أدرك جرير الأخطل وهو شيخ قد تحطم، فقد أدركنا محمد عبد الرحمن ولد انگذي"حَمَّ" وهو شيخ كبار قد بلغ من الكبر عتيا، كانت انواكشوط حينها مدينة صغيرة تضم كبتال وبلدة لكصر، كان يسكن في نقطة قصية من لكصر تسمى "ماريگو" جنوب شركة "سوكومتال" الآن، كان شيخا هرما منفوش الشعر ثابت الخطوة وهو يسدر في أهل لمروَّ بين مرصت لكصر وبعض الحوانيت المتناثرة في البلدة، كان الوالد يجله ويكرمه وكان يحل مشاكله مع بعض الدائنين وربما جلس معه وربما استنشده فأنشده على امباله في اكحال كر بعض مخمسات ابن مهيب فيشجي بذلك الانشاد القوي النفوس، كان وقد تقدم به العمر عذب الصوت قويه وكأنما عناه الشيخ ولد مكي بقوله لوالده لعور:
شبنَ واكبرنَ عن ذ اليمْ ::غير الفتى من صنيعُ
يشيبُ كثيرا واتّمْ :: الطباعُ يوافيعُ

أبحرت مع أبي الفرج الأصفهاني:
قال الأخطل ما هجوت أحداً قط بما تستحي العذراء أن تنشده أباها، وقال عبد الملك بن مروان للأخطل: ألا تزور الحجاج فإنه كتب يستزيرك فقال أطائع أم كاره قال بل طائع، قال ما كنت لأختار نواله على نوالك ولا قربه على قربك إنني إذا لكما قال الشاعر:
كَمُبْتاعٍ ليركبَه حماراً :: تَخَيَّره من الفرس الكبير
ودخل الأخطل على عبد الملك بن مروان فاستنشده فقال قد يبس حلقي فمر من يسقيني فقال اسقوه ماء فقال شراب الحمار وهو عندنا كثير، قال فاسقوه لبنا قال عن اللبن فطمت، قال فاسقوه عسلا قال شراب المريض، قال فتريد ماذا قال خمرا يا أمير المؤمنين، قال أوعهدتني اسقي الخمر لا أمّ لك لولا حرمتك بنا لفعلت بك وفعلت، فخرج فلقي فراشا لعبد الملك فقال ويلك إن أمير المؤمنين استنشدني وقد صحل صوتي فاسقني شربة خمر فسقاه فقال اعدلها بأخرى فسقاه أخرى فقال تركتهما يعتركان في بطني اسقني ثالثة فسقاه ثالثة فقال تركتني أمشي على واحدة اعدل ميلي برابعة فسقاه رابعة فدخل على عبد الملك فأنشده:
خف القطين فراحوا منك وابتكروا :: وأزعجتهم نوى في صرفها غير
كأنّني شارِبٌ يوم اسْتُبِد بهمْ :: من قرقفٍ ضمنتها حمصُ أو جدرُ
جادت بها من ذوات القار مترعة :: كلفاء، ينحت عن خرطومها المدر
لذ أصاب حمياها مقاتله :: فلم تكد تنجلي عن قلبه الخُمرُ
كأنني ذاك، أو ذو لوعة خبلت :: أوصاله، أو أصابت قلبه النُّشَرُ
شوقا إليهم، ووجدا يوم أتبعهم :: طرفي، ومنهم بجنبي كوكب زمر
الى امرئ لا تعدينا نوافله :: أظفره الله، فليهنا له الظفر
الخائض الغمر، والميمون طائره :: خليفة الله يستسقى به المطر
والهم بعد نجي النفس يبعثه :: بالحزم، والأصمعان القلب والحذر
والمستمرُّ به أمر الجميعِ، فما :: يغتره بعدَ توكيدٍ له غرر
وما الفرات إذا جاشت حوالبه :: في حافتيه وفي أوساطه العشر
وذعذعته رياح الصيف، واضطربت :: فوق الجآجئ من آذيه غدر
يوماً بأجْودَ مِنْ حين تسأله :: ولا بأجهر منه حين يجتهر

قال الأخطل فضلت الشعراء في المديح والهجاء والنسيب بما لا يلحق بي فيه فأما النسيب فقولي:
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر :: وإن كان حيَّانَا عِدًى آخِرَ الدَّهْرِ
من الخفرات البيض أما وشاحها :: فيجري وأما القلب منها فلا يجري
تموت وتحيا بالضجيع وتلتوي :: بمطرد المتنين منبتر الخصر

وقولي في المديح:
نفسِي فداءُ أمير المؤمنين إذا :: أبدى النَّواجِذَ يوماً صارِمٌ ذَكَرُ
الخائضُ الغمرةِ الميمونُ طائرهُ :: خليفةُ اللَّه يُسْتَسْقَى به المَطَرُ

وقولي في الهجاء:
وكنتَ إذا لَقِيتَ عبيدَ تَيْمٍ :: وتيماً قلتَ أيُّهمُ العبيدُ
لئيمُ العالَمين يَسُودُ تَيْماً :: وسيِّدُهم وإن كَرِهوا مَسُودُ

ودعا شاب من شباب أهل الكوفة الأخطل إلى منزله، فقال له يابن أخي أنت لا تحتمل المؤونة وليس عندك معتمد، فلم يزل به حتى انتجعه فأتى الباب فقال يا شقراء فخرجت إليه امرأة فقال: هذا أبو مالك قد أتاني.
فاتهزت المرأة الفرصة وباعت غزلاً لها واشترت لحما ونبيذا وريحانا فدخل زوجها مع الأخطل  خصا لها فأكل معه وشرب، فلما تضور اللحم والنبيذ في جوفه انفرجت أساريره وأنشد:
لَعَمْرُك ما لاقيتُ يومَ معيشةٍ :: من الدهرِ إلاَّ يومُ شقراءَ أقصَرُ
حَوَارِيَّةٌ لا يدخل الذَّمُّ بيتَها :: مُطَهَّرةٌ يأوي إليها مُطَهَّرُ

وذات نجعة والشيء بالشيء يذكر في اندر جمع الشاعر محمد ولد ابنو ولد احميدن الميرة لكنه لم يجد راحلة تحمله إلى لخيام وكان مستعجلا لا يرغب في المبيت، فانتهز  صديقه المختار ولد عابدين ولد هدار الفرصة وأسرع إلى أبناء بونن ولد الشيخ سعدبوه وقال لهم محمد ولد ابنو هاهو عالق في اندر يود الذهاب إلى لخيام وهذه فرصة لا أحب أن تفوتكم فجهزوا له سائقا وسيارة، ففعلوا فأنشأ في مدحهم:
لأبناء بونن السماحة والفضل :: و محض التقى والجود والحلم والعدل
وفيهم معان من معاني جدودهم:: مشاهدة يسمو بها القول و الفعل
فهم غرر الأنداء في كل مشهد ::و غيرهم في المجد فرع و هم أصل
سراة حماة لا يمل جليسهم ::و لم يك يخشى أن تزل به النعل
أحاديثهم تشفي من الداء كله:: و تنسيك ما مجت بأجباحها النحل
و لا عيب فيهم غير أن نوالهم:: على الجار جار ليس ينقصه المحل
فكلهم في البذل حاتم طيئ :: و كلهم بدر و كلهم عدل
فليس كمثل الشمس في صحوها السهى:: وليس كمثل الطرف في الغلوة البغل
و هل ينبت الخطيئ إلا وشيجه :: و تغرس إلا في منابتها النخل

وكان الحاج اكويمل ولد گوتل وهو حرطاني من تندغه (أهل بوحبيني) في دكار موئل الأدباء والشعراء والقادمين من كل طيف، وكان يضع في صالون بيته دفترا كبيرا وكلما تضلع شاعر من "مارو والحوت" يقدمه له، فتسيل أودية بقدرها، وذات مقيل قدم دفتره للشاعر محمد ولد ابنو ولد احميدن مستفزا بأن في الدفتر من هو أشعر منه، فكتب له:

أهاجت لك الأشجان لمحة بارق:: وزورة طيف من أمامة طارق
أمامة ما حملتني من صبابة :: وإن خلته قد لاق ليس بلائق
وإن خنت عهدي دون ذنب جنيته :: وقطعت مني محكمات الوثائق
نهضت لدار السيد الكامل الذي :: أياديه تنهل انهلال الودائق
"أكامل" أنت المستلَذُ الخلائق :: وأنت الفتى الْمَرضيُّ بين الخلائق
وأنت الذي جُرِّبت في كل مشهد:: فأُلفيتَ مفتاحا لقُفل المضائق
وأنت الذي أولاك مولاك نعمة :: ففرقتها في الناس مثل المفارق
توالي لمن والاك أبهى بشاشة :: وتولي لمن أولاك أسنى العلائق
وتبسط للزوار كل أريكة :: منمقة محفوفة بالنمارق
وتسقيهمُ منك الحديث معتقا :: وتمنح صفو الود غير مماذق
فلا تحْسبن الكعْك كل مدَوّرٍ:: ولا كل طِرْفٍ لاحقاً شأو لاحق
وتحسب لي في الشعر شبها ألم تكن :: نظرت إلى مرويه في المهارق
فكيف أجارى فيه وهو سجيتي ::وآخذه من بين جيبي وعاتقي
ومعدنه فينا وعرصة داره :: مجر عوا لينا ومجرى السوابق
فشعري في أقصى المغارب شائع :: وجاوز منه الصيت أقصى المشارق
فمن كان مسطاع السباق فذا المدى :: وها أنذا فليأتني بالمسابق

كنت أحسب الشعراء من عالم آخر وذات مرة زارنا لكويري ولد عبد الله وأنشد بعض مدائحه للوالد وكانت أول مرة أراه وكنت أقارن بين ما أسمع منه وما كنت أسمعه عبر الراديو وأتعجب، وكذلك الأمر مع محمد عبد الرحمن ولد الرباني، وفي المدرسة رقم 1 رأيت ذلك الرجل المهيب يلبس دراعة من (ابّلمانْ) وبيده صافرة إنه محمد ولد باگا، كان التلاميذ يخافون منه وكان الكبار يجلونه.
وفي إعدادية لكصر رأيت عابدين ولد التقي وفي ذات المدرسة التي كان بها ولد باگا جاء بعد سنين الطيب ولد ديدي معلما أعني المدرسة رقم 1
المشاهير أناس عاديون مثلنا تماماً، يولدون ويموتون وفي الرحلة من المهد إلى اللحد يحلمون أحلاماً بعضها يصدق وبعضها يخيب، يخافون من المجهول، وينشدون الحب، ويبحثون عن الطمأنينة في الزوج والولد، بعضهم أعطته الحياة أكثر مما يستحق وبعضهم حرمته الحياة.
طويت كتاب الأعاني و طواني الدجى هذه المرة بدل أن أطويه.

كامل الود

بين الإمام بداه و الفنان لعور ولد انگذي


كنا جلوسا مع الإمام الأكبر بداه ولد البصيري رحمه الله، بعد الظهر في رمضان وبعدما قدم تلميذه أبوالمعالي (كتبة) من مطهرة القلوب للعلامة محمد مولود (آده) علما وشرحها العلامة بداه وهو العليم بتدريس المطهرة، وسمعته يقول إنه وضع شرحا عليها سمّاه (إسعاف المهرة) لم يبرزه للناس لما يتضمنه من الحال ولعمق نفَسه الصوفي، وإن العلامة المختار ولد ابلول الحاجي اطلع عليه وقال له أبرزه للناس فأجابه:
" أحْ مانِ امعدلها".
بعد درس المطهرة الذي ألان القلوب وأجلى صدأها فتح الإمام باب الأسئلة، فسأل أحد الحاضرين عن حكم الغناء (الهول) فقال بداه:
كنت مع شيخي الشيخ أحمدو ولد أحمذي وكان يعرظني على كثيب خارج الحي وجاء الأعور ولد انگذي للحي بعدنا، وحين علم أن الشيخ خارج الحي، طرح آلته وخرج نحونا وما إن أبصر لعور الشيخ أحمدو حتى جعل أصبعه في أذنه وطفق ينشد، يقول بداه واصفا حال شيخه الشيخ أحمدو الذي تملكه الطرب:
(تمْ ذَ لمرابط يحمارْ ويخظار) حتى فرغ الأعور من إنشاده فأعطاه ما قطع به لسانه وانصرف يضيف الإمام بداه: فهذا الهول قطعا لاشيء فيه، هول الرجل للرجل بدون آلة وهو ما شهدته بين شيخي الشيخ أحمدو ولعور.

كامل الود

محمد ولد انگذي "لعور"

محمد ولد انگذي "لعور"
ورقة كتبتها قبل عشر سنوات ونيف، ولم تزل (تؤكل على النار) قصا ولصقا، دون الإشارة للمصدر، وهاهي كاملة لمن أراد أن يقص أو أراد استنساخا:
محمد ولد انگذي الملقب ب "لعور" كان من أشهر فناني المنتبذ القصي وأحسنهم صوتا قيل فيه:
بحُبّ رسول الله طاب لك الوقت :: وزانك بين الناس صوتُك والسّمتُ
وإن حلّ يوما في ديارك شاعـرٌ :: ف ما رأيُه إلا التواضعُ والصمتُ
ويقول فيه البيضاوي الجكني باشا تارودانت:
لعمري لقد خضتُ القرى من كُناكري :: وجاوزت أرض الصين بعد الجزائر
وبالمغرب الأقصى دياري ونشأتي :: وسامرت أرباب الغنا والمزامر
فما سمعت أذني ولا ناظري رأى :: كذا الأعور المشهور من كل شاعر
وقال فيه العلامة أبومدين بن الشيخ أحمد بن اسليمان:
من كان أصلعَ فليضرب ليطربنا :: أو كان أعور فليشدو بما شاءا
ياليت كلَّ مغنٍ كان ذا صلع :: أوكانت العينُ عينا منه عوراءا
وظل صوت لعور على حاله لم تغيره السنون حضر الشيخ ولد مكين أهوال لعور، وقال عنه ذات هول وقد شاب الندماء وشاخ الزمان وظل لعور شابا في عطائه يسقي القوم من هوله صافية لا للسلاف ولا للورد رياها:
شبن واكبرنَ عن ذ اليم :: غير الفتى من صنيعُ
يشيبُ كثيرا واتم :: الطباعُ يوافيعُ
سجل الفنان لعور في أربعينيات القرن الماضي هولا للفرنسيين وبثه حينها راديو "برازفيل" الملتقط في دكار لكن ذلك الهول لايزال مفقودا فقد أخبرني أحد الباحثين أنه بحث عنه في أرشيف إفريقيا "فرنسا ما وراء البحار" في باريس وأعمل المطي في طلابه في دكار فلم يعثر عليه، فليتنا نجد ذلك التسجيل فبي شوق لسماع ذلك الصوت الذي قال محمدن ولد ابن المقداد عن صاحبه:
لعاد إلّ من لنسْ :: شاعر بين البحرين
أزين حسّو من حِسْ :: امْحمد، حّسو زين
فلا شك أن حسّه زين، لقد أحيا لعور السنين ذوات العدد الكثير من الأهوال في دار أهل ابن المقداد ومن ثم كثر ثناء ول ابن المقداد على صوته يقول عنه:
عندك تشبط فالترداد :: ترغ واتصولح تُنحَ
والمهر إعل التشبط زاد :: إعياطو شبكَ يمبحَ
ويقول:
لعور حسو يالناس خرق :: عاد من متن زين
يلال منو زاد فرق :: بين الشعار ء بينو
ويقول:
لعور حسو يل گط عامْ :: لوّلْ شاحنتْ إفزينُ
لعور راعيه اليوم وامْ :: شِحان إفلعور عينُ
ويقول
زينين أظفارك شن طن :: والمهر إمنين إتهين
يتليع والتشبطن :: إعل لمهار إنين
وذات هول أعلن لعور عن شور جديد هو (دزّيتْ امبرْ) وصادف ذلك أول إطلالة للشاعر محمد ولد ابنو الذي ولج دار محمد ولد ابنو المقداد، وكان حدثا صحبة أحد أصدقائه، ولم يكن حينها معروفا، وكان ولد أبن المقداد في تلك اللحظة مستلقيا على أرجوحة وضعت له في صالونه ومعه مجموعة من الأدباء من بينهم شماد ولد أحمد يوره، والولي ولد الشيخ يبّه، والوالد ولد القطب، وغيرهم..
داعب لعور تديتنه وشدا بالشور الجديد"دزيت امبر".
فقال ولد ابن المقداد:
إمبرْ إلّ گال المَجّاد :: بصلعَ بخزرَ من زرْ
ذاكُ كيفْ إمبرْ إلَعاد :: إلّ لاهِ ينگال إمبر
وقال شماد:
الناسْ إلَ گالتْ باجنـــاس :: عنك تگدرْ تُحامِر فُـرْ
ذاكْ الا گول الناسْ، الناس :: اتمَشِي لگوارب فالبِر
وقال الوالد:
امْخَممنِ فامرْ الحيــاةْ :: عودانِ نافد گدْ اشبرْ
وَلاّ نكبرْ والطافـلات :: گِذّ گِذّ وحــدَ تكبــــرْ
فقال ولد ابنو ولم يكن معروفا:
شاعرْ فالهولْ امعاكْ اتلَ :: إعـودْ افـزرْ ؤُعدتْ افــزر
ذاك الزرْ امنْ الهولْ اخلَ :: ؤُذاك الزرْ امن الهولْ اعْمِرْ
فجلس ولد ابن المقداد في أرجوحته وكان مستلقيا وقال "ذاك گاف"
فأضاف شماد نعم "ذاك كاف"..
وهنا تدخل الأديب الولي ولد الشيخ يبـه لتتحول المداخلات من "گفان شور" إلى مساجلة، فقال:
حد امگاطعن گاطعنِ :: لمگاطعنِ گطّاعْ اجْدرْ
ما يگدرْ حد إگاطعــنِ :: أبْـدَ مـايگدرْ مـايگدر
فأجابه ولد أبنو:
باعدتْ الشّلاتْ ؤذ فاتْ :: من عندْ اجدرْ لجدرْ لجدرْ
يفيرْ اتباعيـدْ الشّـلاتْ :: إعْيَ يصلح، واعْيَ يخسِرْ
فلم يجبه الولي فأضاف ولد أبنو:
نعرفْ لغنَ كنتْ ابْلملاسْ :: مانكبر عنّو ما نسغِرْ
ؤگللّت انـدورْ انغـرْ الناس :: گلتْ لغنَ للناسْ اتْـغرْ
حين قتل الأمير أحمد ولد الديد الأمير أحمد سالم ولد إعل "بياده" عند "انواكل" سنة 1905 كان الأعور مع "بياده" فحمله أحمد للديد معه في طريقه لقتل أعمر ولد إعل شقيق بياده، وحين وصلا لأعمر قال وقد باغتاه لابد أنكم قتلتم بياده فقال أحمد ولد الديد: "اكتلناه واكتلن راجل حاكمْ گلبو"
فقال لعور: ماگط بعد احكم ماه گلبو، في إشارة لكرم بياده.
وكان التنافس "لبهار" بين إيگاون شائعا وكان يدفع الفنان ليلقي بكل طاقته ليدرأ عن نفسه الغلب، ويحكى أنه ذات هول قدم فنان شهير على أهل الشيخ سعد بوه فقال قوم ماله إلا امحمد "لعور" وكان موجودا في النمجاط حينها، ورُكّب أزوان وبدأ الهول بعد العصر وتناشد الفنان مع الأعور فطغا صوت الفنان على صوت لعور وبدا الأعور كالمرتبك فنهض أحدهم إلي الشيخ سعد بوه وكان في بنية بعيدا عن خيام الهول التي نصبت في طرف الحي وقلت له: شيخنا إن فنانك لاهي ينغلب فافزع له، قال: فأخذ الشيخ تمرة ومضغها وقالت اعطها له فما إن تناول لعور التمرة حتى سرى فيه الحماس كأنما نشط من عقال وأرغى وأزبد فتلاشى الغريم أمام الصوت الهادر وبات لعور يشدو، فقال العلامة البشير ولد امباريگي:
إن للشاعر الشهير لصوتا :: جمع الحسن واللذاذة فيه
ناقص العقل من يعاند شخصا :: نصر الله ما يقول بفيه
قوةُ الفمِ من يعاند ثغرا :: تفل الشيخ فيه سعد أبيه
وجاءه ابنه محمد عبد " حمَّ " ذات هول فقال لعور:
ابْحرْ مافيّ بَلْ اطريگْ :: للعومْ ءُ ذَ أنتَ جيتْ اليومْ
أَلاّ دَرْبِ راصكْ فاغْريگْ :: ولّ عُومْ إِلَ عتْ اتعومْ
قال حم :
ابحرْ گلتْ إنك ْذاكْ إمگادْ :: للعومْ ءُ جابرْ فيكْ اليُومْ
هوّ جدرْ الصَّدرَ لعادْ :: معلومْ إيْمعلمْ ذاكْ أَگُومْ
ويقول محمد باب ولد أحمد يوره قوله مخاطبا لعور:
مگط اطْرَ وإلْتزْ إمعـــاكْ :: ول آدم بأعنادُ مَطــاح
ؤعندِ عنك زاد أورَ ذاكْ :: من عبادْ اللهْ الصّـلاّح
فأجابه لعور:
يالملحوگ إلِّ جاكْ إتغيثْ :: ءُ عالم و امجوّد واسْخِ شاحْ
ولِّ عندكْ منْ لَحاديثْ :: ألاَّ لحاديثْ الصحاحْ
ويحكى أن لعور راح لأحد العلماء ممن لا يرون الهول على الآلة، وجاءه لعور زائرا فقط ولم يصحب معه الآلة ولما جن الليل ناداه العالم وقال: اسم الله آن وانت نمدحو ارسول صلى الله عليه وسلم فطفقا يمدحان وكان العالم ندي الصوت فأنعشا ليلة من المديح قل النظير لها.
ذات درس كنا معا العلامة الإمام الأكبر بداه ولد الصيري، وبعد من المطهرة فتح الإمام باب الأسئلة، فسأل أحد الحاضرين عن حكم الغناء (الهول) فقال بداه:
كنت مع شيخي الشيخ أحمدو ولد أحمذي وكان يعرظني على كثيب خارج الحي وجاء الأعور ولد انگذي للحي بعدنا، وحين علم أن الشيخ خارج الحي، طرح آلته وخرج نحونا وما إن أبصر لعور الشيخ أحمدو حتى جعل أصبعه في أذنه وطفق ينشد، يقول بداه واصفا حال شيخه الشيخ أحمدو الذي تملكه الطرب:
(تمْ ذَ لمرابط يحمارْ ويخظار) حتى فرغ الأعور من إنشاده فأعطاه ما قطع به لسانه وانصرف يضيف الإمام بداه: فهذا الهول قطعا لاشيء فيه، هول الرجل للرجل بدون آلة وهو ما شهدته بين شيخي الشيخ أحمدو ولعور.
كامل الود

21‏ أغسطس 2017
الذكرى الثانية لرحيل الكاتب والمفكر  محمد سعيد ولد همدي


نضع بين يدي القارئ مقاطع من قراءة  له في قصيدة '' السفين '' للشاعر أحمدو ولد عبد القادر

كتب المرحوم محمد سعيد ولد همدي:
....

ومع أني لا أحب أن أطيل على القارئ، إلا أنني أجد نفسي منساقا إلى تقديم شذرات من "سوسيولوجيا البيظان" وهي شذرات يعرفها الكثير من القراء إلا أن التذكير بها لا يخلو من أهمية.
فقد كان المجتمع الحساني في أول أمره قائما على ثنائية نخبوية غير واضحة المعالم، هي الثنائية: (حسان -الطلبة)  ويظهر هذا البناء الاجتماعي –لأول وهلة- بمظهر الصلابة والتماسك وذلك بفضل التحالف (أو التواطؤ) بين السيف والقلم.
وتحت هذه الزعامة ذات الرأسين، ولدت البنية الاجتماعية الهرمية التي كانت منبوذة من قبل نظام لا يعترف بالوجود لغير الزعيم، أي أن الوجود مرادف للنفوذ (لخلوگية).
فالمحاربون حملة السلاح، و"المرابطون" حملة القلم: كانوا يحكمون مجتمعا كامل الخضوع لطاعتهم بفضل الله وقوة العضلات، فالبسالة المنسوبة للمحاربين والقداسة المنسوبة للمرابطين كانتا بمثابة "إيديولوجية" للنظام ومبرر للطاعة والولاء. وفي مثل هذا المجتمع الإقطاعي يكون النظام جامدا أزليا. وتمتدح الشجاعة الجسدية والمهارة والجلد. ومن النادر إعطاء نفس الاعتبار للتقوى وغيرها من المحامد المعنوية.
وعندما يظهر شاعر فيلسوف يسخر من القوة الزائلة ويتمنى - بحس ديمقراطي سابق لأوانه- زوال نظام القهر والعنف... عندما يظهر مثل هذا الشاعر، يتعرض للازدراء والسخرية، حتى ولو كان – بالإضافة إلى مواهبه الشعرية- أمير منطقة "آدرار". إن هذا المجمع القائم على العنف لا يستطيع تحمل الاستماع إلى أمير البلاد وهو يسخر من النظام القائم:
"درجتنا ألاله اطيحها".. حتى ولو كان الفرد أميرا، فمن الخطورة أن يأتي قبل زمانه. وفي زمان هذا الأمير كان المحاربون يملكون مالهم وما لغيرهم كل شيء بالنسبة لهم مباح ( مواشي الآخرين، نخيلهم... التمتع بنسائهم... وغير ذلك).
أما "الزوايا" الذين كانوا يستفيدون من "الغنائم" فقد كانوا يباركون هذا النهب ويغدقون في تقديم التمائم التي يعلقها "المحاربون" على صدروهم كأنها النياشين. ولكن سلطة المحاربين لم تتجاوز هذا المستوى المظهري الذي كان يجلب إليهم سخط الفئات المسحوقة ولعناتها" أما "المرابطون" فقد كانوا يمسكون بالمقاليد الحقيقية للسلطة، لأنهم كانوا يتنكرون لهم ويتولون تعليم النصوص الدينية المقدسة، كما كان لهم وحدهم حق ادعاء السيطرة على الشياطين. وغيرها من قوى الشر. ورغم أن هؤلاء "المرابطين" كانوا محل سخط الجميع، إلا أنهم كانوا مخوفين، حتى "سادتهم " المحاربون كانوا يخافونهم.
وكان لهذه النخبة الثنائية الزعامة أخلاقيات خاصة تعود أصولها إلى عصر الجاهلية العربية كما تشبه حالة أوروبا في العصور الوسطى. فقد كان من المخجل –مثلا- أن يسرق المرء مالا زهيدا. أما الإغارة على قطيع بأكمله فقد كانت محل فخر واعتزاز.
وعندما يلحق المحارب أذى بأحد "رجال القلم" فإن ذلك يعتبر مثلمة، أما إذا عذب سكان حي من "اللحمة" وجردهم من جميع ممتلكاتهم فباستطاعته أن يذكر ذلك متباهيا.
ومع هذا فيجب أن لا ننسى أن هذه "القيم" السلبية لم تكن وحدها في الميدان، فقد كانت هناك قيم إيجابية قد تدفع "النبلاء" إلى التراجع عن الكثير من الممارسات الظالمة خضوعا لمقتضيات "البرتوكول" الإقطاعي.
غير أن هذه القيم كلها كانت تخص جماعة نخبوية منعزلة. ولهذه الجماعة تأثيرها الحاسم، لكنها كانت ضئيلة العدد لا تلعب في عملية توفير العيش اليومي للمجموعة إلا دورا ثانويا.
ويعني ما تقدم أن تاريخ شعبنا ليس تاريخ ملاحم الارستقراطية "العسكرية" و"القلمية" فقط فقد ساهمت فيه كذلك، وبشكل مؤثر فئات "المحراث" و "المحلاب" و"الصابرة" و"السندان".
هذه الفئات التي شكلت طبقة "الدهماء" في المجتمع الموريتاني التقليدي، أين كان موقفها في السلم الاجتماعي عشية التغلغل الأجنبي الاستعماري؟
أما طبقتا "إيگاون" و"الحرفيين" فقد كان عددهما قليلا مع توزعهما عبر القبائل والأفخاذ. ولذلك فقد تمتعتا بمكانة خاصة، لكنها غامضة.
فإيگاون، وهم مستودع الأسرار ورسل الحرب والسلام، كانوا يساهمون في الحياة السياسية للإمارات الحسانية، مستخدمين أسلحة حدادا هي ألسنتهم الذرية، وهم في الغالب ذووا علم ولباقة مما مكنهم من المساهمة في أنشطة في المؤامرات السياسية التي كان مكانها المفضل هو "خيمة أبكير" ولإيگاون دور آخر من كل هذا بكثير، فأشعارهم "أشوارهم" هي مرجعنا الأصلي الوحيد حول التاريخ "الحساني" وذلك على الرغم مما يشوبها من اختلاط الوقائع التاريخية بالتصورات الأسطورية والتزوير المقصود الذي يقوم "الشاعر- المطرب-" ليغطي ممدوحه صورة مزيفة بالمعنى القاموسي لهذه لكلمة.
أما الحداد. هذا الفنان الحرفي، فلم يكن له أن يطمح إلى نفس مكانة "المرابطين" فبالرغم من ثقافته الواسعة أحيانا، وتقنيته النادرة، وحاجة المجتمع الشديدة إلى خبرته، على الرغم من كل هذه المزايا، كان الحداد مذنبا دوما لأنه يحمل على كاهله أوزار بني إسرائيل. وقد كان النسابون يتطوعون لاكتشاف أصول يهودية، حقيقية أو خيالية، لهذه المجموعة، ولا ينفع هؤلاء المساكين علمهم ولا تقواهم، فالمثل الحساني يحكم ظلما بأنه "لا خير في الحداد ولو كان عالما". أما شهادته فهي مردودة دائما، رغم أن الشهادة في المجتمع التقليدي كانت مناط صحة العقود ورمز اكتمال الإنسانية والرجولة.
وقليل ما يمكن قوله حول "أزناگه". هؤلاء التابعين من الدرجة الثالثة، ذلك أن وضعيتهم شبيهة مع بعض الفروق، بوضعية المنبوذين في الديانة الهندوسية وهم خاضعون للمغارم والسخرة ولا يسمح لهم بممارسة غير المهن "القذرة" واندمجت في فئة "أزناگه" مجموعات من الصيادين البريين والبحريين (النمادي وإيمراگن) قدر لها أن تعيش حياة حرة مستقلة مع أنها حياة تافهة.
وباستثناء "إيمراگن" ذوي السحنة الزنجية البارزة، تتشابه كل هذه الفئات المسحوقة، من حيث ميزاتها الجسدية، مع الطبقة المسيطرة، وهذا ما مكن الكثير من أعضاء هذه الفئات من التسلل بطريقة أو أخرى، إلى عضوية الطبقة المسيطرة.
ولا يمكن لمجموعة "السودان" الناطقة بالحسانية أن تستفيد من مثل هذه الفرصة، ومن حاول ذلك من السودانيين فإن سماته الجسدية ستنم عن أصله.
إنها لعنة "حام بن نوح" هذا الولد العاق الذي وضع اللوح على رأسه فسال المداد على جسده ليصبغه بالسواد صبغة أبدية.
هذه الخصائص المتميزة أعطت هذه المجموعة وحدتها، رغم تنوع مكوناتها. وعلى عكس الفئات الهامشية، فإن لهذه الفئة كما عدديا كبيرا يجعلها المجموعة الأكبر، مقارنة مع غيرها من مكونات المجتمع "الحساني" والأكثر مساهمة فهي تمد هذا المجتمع بمقومات البقاء.
وإذا كانت هذه الفئة لم تحقق مآثرها التاريخية في "المحاظر" أو في ميادين القتال، فإنها قد حققتها في "القصور" والمضارب وكذلك في "آدوابه" شمامة والعصابة و"غراير" الشمال في "يغرف" و "دمان" وفي "التامورت" أو في "آدروم".
وإذا كان الفن الحساني كغيره من الفنون يعتبر تاريخا رومنطيقيا يعبر من روح الشعب الحقيقة فمن المدهش أن نلاحظ هذا التوازن الفني المساير لتقسيم المجموعة الحسانية إلى "بيظان" و "سودان" فالـ "آردين" و"التيدنيت" يعبران بالنغمات الحلوة والنبرات الفنية المحكمة عن جانب من تراثنا الموسيقي.
أما الجانب الآخر من هذا التراث فتعبر عنه النبرات الموحية لآلة "النيفارة" والإيقاع الفخم الهادئ لطبل "الرزام". وإلى جانب "الاشوار الزُمنية" لفن "أزوان البيظان" توجد "الأشوار السودانية" ذات النغمات البريئة والمحتوى الصريح، ويتم أداء هذه "الأشوار" في وقت متأخر من الليل مثل موسيقى (الابتهالات الزنجية Negro-spirituals) في أميركا. أما المحتوى فهو تعبير عن آلام هذه المجموعة وأحلامها المستحيلة.
وتبدأ هذه "الأشوار" بعد يوم من العمل المرهق ثم تشتد وتيرة الغناء شيئا فشيئا حين يغط الأسياد في نومهم العميق يطرد الكوابيس عنهم عمل العبيد في الحقول والمطابخ مرورا بالرحاة أو "المدقة والمهراس" ، المرعى والبئر...
وتخفت النغمات عندما يتلاشى وميض النار الموقدة عند نهاية الحفل الذي ينتهي بآهات بائسة محتضرة يثيرها الحنين وعذاب اليتم والاستلاب والغربة. أناشيد غير عادية قيمة.. هذه الحوارات السحرية التي تغذيها الروح العدوانية لدى السيد المستبد، والتعذيب الجسدي واللفظي، وغضب السيدة وغيرتها، وتتغذى من صعوبة الحياة اليومية والجوع، وبكلمة واحدة: اللاوجود.
والناي هذه الآلة ذات النغم السحري الذي يربط الراعي - متجاوزا الزمان والمكان - بأصوله المنسية أويعيده إليها بواسطة نفثات شجية تسحر الإنسان الراعي والحيوان المرعي فيتضامنان في مواجهة قاهرهما.
إن هذه الموسيقى "السودانية" الليلية العجيبة ذات الطابع الحالم المؤلم ليست في النهاية إلا تعبيرا عن فظاعة الحياة لهؤلاء المستضعفين الذين يحاولون اقتناص لحظات ليلية من أعمارهم التي يملكها أسياد الحياة النهارية.
وعلى الرغم من المظاهر فإن الموسيقى تعبير أليم عن ذاتية ثاوية ترفض المسخ والذوبان وتقاومهما بأساليب قد تكون ملتوية ولكنها –على كل حال- معبرة. وشبيه بذلك ما كان البعض يستغربون من قوة تحمل "السوداني" وتقبله العقاب بصدر رحب، بل وبسخرية في بعض الأحيان، ولكن هذا ليس إلا نوعا من ازدواج الشخصية يضطر (المضطهد) لتمثيله كي يستطيع تحمل حياته اللاانسانية.
وقد كان ذوو الذوق الرفيع يستهجنون قهقهة العبيد ويعزونها إلى خشونة وراثية في الطبع. بيد أن الأمر لا يعدو أن يكون نوعا من التمثيل والتظاهر بالبلاهة لطمأنة السيد. إنها الشفاه تضحك، أما القلوب فإنها تنزف آلاما ودما.
أما خشونة أقدام العبيد وأياديهم فما هي إلا دروع لاتقاء الحر والبرد ووخز الأشواك ولدغ الثعابين. هكذا أرغم هؤلاء "السودان" المساكين على العيش في عالم منعزل من الأوهام الساذجة.
وليس هناك من رابط بين عالمهم الوهمي والعالم الحقيقي إلا هذه "الحسانية" التي تتكسر على ألسنتهم مثلما تتكسر "الإنجلزية" على ألسنة أقاربهم من السود الأمريكيين.
إنه عالم من الضياع والعدمية.
بائس عالمكم يا "مبروك" و"مسعود" ويا "مبروكة" و "إسلم عربيها" إنكم غرباء حتى عن أنفسكم وحتى أسماؤكم لا تمتلكونها، بل هي مجرد ابتهالات موجهة إلى العلي القدير لكي يحفظ أسيادكم (ايسلم عربيها) أو ليبارك لهم في أموالهم (مسعود، مبروكه).
إنها حقائق مرة.. لكني أقدمها هنا بدون حقد. ولا أريد توجيه لوم مبالغ فيه لأي كان، فأبناء الضحايا (من مختلف الفئات) وأبناء ظالميهم بالأمس، يشتركون اليوم، هؤلاء وأولئك في تراث واحد ويقاسون المصائب نفسها، ويحملون نفس الآمال. هذا بالإضافة إلى ما يربطهم من علاقات القرابة بالنسب والمصاهرة والرضاعة. والمطلوب هنا، هو أن نغير عقلياتنا حتى نتمكن من تقليب هذه الصفحة المأساوية من تاريخنا ويتطلب ذلك تفكيرا رزينا توجهه إدارة وطنية مسؤولة. ثم يجب أن ننسى أن هذا هو تراثنا بجوانبه المظلمة والمضيئة. وأما هذا الوعي الجديد فإنه ناتج عن الصدمة الاستعمارية. ولذلك لا ينبغي أن نقسو على تاريخنا أكثر من اللازم باستخدام أدوات في التحليل والحكم غريبة عن واقعنا.

كامل الود

  / ومن باب المداعبة، والشيء بالشيء يذكر كان الشريف عبد القادر رجلا صالحا، وكان يفرض على الناس (فِفتنًا) يهدونه له، والفِفتن قطعة نقدية كانت...